قال
nindex.php?page=showalam&ids=17032أبو عبد الله : ويقال لهم : وكذلك يجوز لمخالفيكم أيضا أن يضربوا مثلا لقولهم : إن الإيمان اسم
[ ص: 802 ] لطاعات كثيرة ، فيقولون : مثل ذلك كمثل بعض الأدوية للمشي وغيره ، أنه لا يمشي ، ولا يطلق البطن حتى يجتمع فيه أخلاط شتى ، فيسمى ممشيا ، فهل تجدون بينكم وبينهم فرقانا فيما مثلوا ، ومثلتم ؟ ويقال لهم : أخبرونا بحق المعرفة ، والإقرار ، إذا أتى بهما في أول الوقت أليس يكون يسمى مؤمنا ؟ !
فإن قالوا : نعم ، قيل لهم : فهل يجزئه أن يأتي بالإيمان في أول الوقت ، ثم يتركه في الثاني ؟ !
فإن قالوا : لا ، حتى يدوم عليه إلى أن يتوب .
قيل لهم : فإن عرضت به العوارض المشككة عن عوارض الشيطان ، أو حجاج أهل الضلالة ، هل عليه أن يدفع ذلك ، ويحبس نفسه على إيمانه ، ولا يدع قلبه يركن إلى زينة غرور ، من حجة عدو ، ولا تزيين الشيطان ، ويصبر على إيمانه ؟
فإن قالوا : نعم ، قيل لهم : فلو ترك الصبر على إيمانه ، أليس كان كافرا ؟
فإن قالوا : نعم : قيل لهم : فقد ثبت أنه بالصبر على إيمانه يكون مؤمنا ، كما لا يثبت الإيمان إلا به ، فهو من الإيمان ، لأن الإيمان إنما يقوم بنفسه ، لا بغيره .
[ ص: 803 ]
فإن قالوا : قد يقوم بالمؤمن ، وهو غيره .
قيل لهم : لم نسألكم عن قيام فعل بفاعل ، إنما سألناكم عن فعل لا يكون الإيمان إلا به ، فهو من الإيمان ، كما أن الصلاة لا يكون إلا بالصبر فيها ، عن الخروج منها إلى غيرها ، والصبر هو إمساك الجوارح عن الخروج منها إلى غيرها من الكلام ، والأكل ، والشرب ، فذلك من صلواته ، لا اختلاف بين العلماء أن إقباله ، وتركه الإدبار عن القبلة ، وصمته عن الكلام من صلاته ، ولو لم يصبر عن ذلك كان خارجا من الصلاة .
فكذلك الصابر عن إيمانه أن يزول عنه فيعتقد سواه ، أو يتكلم بغيره ، وإن كان عارفا بربه ، فصبره على ذلك من إيمانه ، لا فرقان بين ذلك .
فإذا كان الصبر على الإيمان من الإيمان ، فكذلك
كل صبر هو لله طاعة ، فهو إيمان ، لأنه لو جاز أن يكون صبر إيمانا ، وصبر لا إيمان ، جاز أن يكون تصديق إيمانا ، وتصديق لا إيمان ، لأن الشيء إذا وجب لاسم ، فهو واجب أبدا ما كان الاسم ، يثبت بثبوته ، ويزول بزواله .
فالصبر له أصل وفرع ، فأصل الصبر على إمساك الإيمان ، وضده تركه ، ويقع بدله الكفر ، والفرع على معنيين : فمعنى منه الصبر على أداء
[ ص: 804 ] المفروض ، وتركه معصية ، ولا يلزمه بعض ، وكذلك اليقين ، والحب ، والرجاء ، والخوف ، والرضا ، والتوكل ، فالجواب فيه على ما وصفنا .