تعظيم قدر الصلاة للمروزي

المروزي - محمد بن نصر بن حجاج المروزي

صفحة جزء
قال أبو عبد الله : ولم يختلف المسلمون في أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحدا من الكفار أسلم بقضاء شيء من الفرائض ، واتفق على القول بذلك أهل الفتوى من علماء [ ص: 992 ] أهل الإسلام ، فبهذه الحجج يسقط قضاء الفرائض عن من أسلم من أهل الكفر ، لا لأنها لم تكن بواجبة عليهم .

فإن قال قائل ، فيقول : إن الفرائض على الكفار أن يأتوا بالصلاة ، وسائر الفرائض قبل أن يسلموا .

قيل له : هذا خطأ ، لأن هذا يوهم أن لهم أن يؤخروا الإسلام إلى أن يأتوا بالفرائض ، ولا يحل لأحد من أهل الإدراك والعقل أن يؤخر الإسلام كما قد عين ، ولكنا نقول : الفرض على الكفار أن يسلموا ، ويصلوا ، ويؤدوا الفرائض ، ويجتنبوا المحارم كلها ، ويقدموا على الإسلام قبل ذلك كله ، لأن الفرائض ، وجميع الأعمال الصالحة لا تقبل إلا بالإسلام ، فإنهم امتنعوا من الإسلام ، وأداء الفرائض ، وارتكبوا المحارم ، وماتوا على ذلك ، فهم عصاة في جميع ذلك معاقبون على ذلك كله .

وهذا كما نقول : الفرض على الجنب ، وغير المتوضئ أن يتطهر ، ويصلي ، ولو صلى الجنب قبل أن يتطهر لم تجزه صلاته ، لأن الصلاة لا تقبل إلا بطهارة ، كما أن الكافر لا تقبل منه الصلاة إلا بإسلام ، وطهارة ، فإن أخر الجنب الطهارة ، والصلاة جميعا حتى ذهب الوقت ، ثم مات مصرا على ذلك ، مات عاصيا في الأمرين جميعا ، مستوجبا للعقوبة على تركها جميعا . [ ص: 993 ]

وكذلك الكافر إذا أخر الإسلام والصلاة حتى ذهب وقتها ، ثم مات مصرا على ذلك .

ولا يجوز أن يقول : الفرض على الجنب أن يصلي قبل أن يغتسل كما لا يجوز أن يقول : الفرض على الكافر أن يصلي قبل أن يسلم ، لكنا نقول : على هذا أن يتطهر ، ويصلي ، وعلى الكافر أن يسلم ، ويصلي .

فإن قال قائل : فإنما قال الله تعالى : ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) .

وقال عز وجل : ( قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة ) .

وقال جل وعلا : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام ) ، فأوجب الصلاة ، والصيام ، وسائر الفرائض على المؤمنين .

قيل له : ليس في إيجابه الصلاة على المؤمنين إسقاط لها عن الكفار ، والمنافقين ، ولكن الله عز وجل وضع أقدار الكفار عن أن يخاطبهم بإيجاب الفرائض عليهم باسم الكفر ، استصغارا لهم ، ووضعا لأقدارهم ، وخاطب المؤمنين باسم الإيمان ، وسائر الفرائض عليهم باسم الإيمان . [ ص: 994 ]

ودل على وجوب ذلك على الكفار بما أوعدهم على تضييعها من العذاب ، قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ) .

كما قال عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ) .

و ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام ) .

فلم يكن في مخاطبته المؤمنين بإيجاب الإيمان بالله ورسوله عليهم إسقاط الدعوة للكفار ، لأنه قد دل على إيجاب ذلك عليهم بما هو أدل على الوجوب من الأمر ، وهو تغليظ الوعيد عليهم ، بإيجاب تخليدهم النار لتركهم الإيمان ، وكفرهم بالله تعالى .

قال الله عز وجل : ( ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا ) .

ولو ذهبنا نتلو الآيات التي أوعد الله تعالى فيها الكفار التخليد في النار ، وآيسهم من مغفرته ، ورحمته ، لكثر الكتاب ، وطال ، ولولا أن المسلمين لا اختلاف بينهم في ذلك لتكلفنا تلاوتها ، وقد أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يأمرهم بالإيمان به تعالى ، وبرسوله صلى الله عليه وسلم باسم الناس ، لا باسم [ ص: 995 ] الكفار ، فقال تعالى : ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) إلى قوله تعالى : ( فآمنوا بالله ورسوله ) .

وقال عز وجل لأهل الكتاب منهم : ( يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم ) .

وفي التوراة الأمر بإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والصيام ، وسائر الفرائض ، وتحريم المحارم .

وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ) .

و ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ، ولتنظر نفس ما قدمت لغد ) .

فلم يكن إيجابه التقوى على المؤمنين بمسقط ذلك عن الكفار ، بل قد أوجب ذلك عليهم باسم الناس .

وقال : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ) .

وقال تعالى : ( واتقون يا أولي الألباب ) .

والتقوى منتظم لأداء الفرائض ، واجتناب المحارم كلها . [ ص: 996 ]

وقال عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) .

فلم يكن افتراضه طاعته على الذين آمنوا بمسقط طاعته عن الكفار .

فكذلك ليس في افتراضه الصلاة ، والصيام على المؤمنين دليل على إسقاطها عن الكفار .

التالي السابق


الخدمات العلمية