4 - (000) : حدثناه : 
 nindex.php?page=showalam&ids=13568محمد بن يحيى ،  قال : حدثني 
إسحاق بن إبراهيم الزبيدي ،  قال : حدثني 
 nindex.php?page=showalam&ids=16432عبد الله بن رجاء .  
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13114أبو بكر :  أنا أبرأ من عهدة 
شرحبيل بن الحكم ،  وعامر بن نائل ،  وقد أغنانا الله - فله الحمد كثيرا - عن الاحتجاج في هذا الباب بأمثالها ، فتدبروا يا أولي الألباب ، ما نقوله في هذا الباب ، في ذكر اليدين : كنحو : قولنا في ذكر الوجه ، والعينين ، تستيقنوا بهداية الله إياكم ، وشرحه - جل وعلا - صدوركم للإيمان بما قصه الله - جل وعلا - ، في محكم تنزيله ، وبينه على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - من صفات خالقنا - عز وجل - ، وتعلموا بتوفيق الله إياكم أن الحق ، والصواب والعدل في هذا الجنس مذهبنا ، مذهب أهل الآثار ، ومتبعي السنن ، وتقفوا على جهل من يسميهم مشبهة ، إذ الجهمية المعطلة جاهلون بالتشبيه . 
نحن نقول : 
لله - جل وعلا - يدان كما أعلمنا الخالق البارئ في محكم تنزيله ، وعلى لسان نبيه - المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، ونقول : كلتا يدي ربنا - عز وجل - يمين ، على  
[ ص: 194 ] ما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ونقول : إن الله - عز وجل - يقبض الأرض جميعا بإحدى يديه ، ويطوي السماء بيده الأخرى ، وكلتا يديه يمين ، لا شمال فيهما ، ونقول : من كان من بني آدم سليم الأعضاء والأركان ، مستوي التركيب ، لا نقص في يديه ، أقوى بني آدم ، وأشدهم بطشا له يدان ، عاجز عن أن يقبض على قدر أقل من شعرة واحدة ، من جزء من أجزاء كثيرة ، على أرض واحدة من سبع أرضين . 
ولو أن جميع من خلقهم الله من بني آدم إلى وقتنا هذا ، وقضى خلقهم إلى قيام الساعة لو اجتمعوا على معونة بعضهم بعضا ، وحاولوا على قبض أرض واحدة من الأرضين السبع بأيديهم ، كانوا عاجزين عن ذلك غير مستطيعين له ، وكذلك لو اجتمعوا جميعا على طي جزء من أجزاء سماء واحدة لم يقدروا على ذلك ، ولم يستطيعوا ، وكانوا عاجزين عنه ، فكيف يكون - يا ذوي الحجا - من وصف يد خالقه بما بينا من القوة والأيدي ، ووصف يد المخلوقين بالضعف والعجز مشبها ، يد الخالق بيد المخلوقين ؟ ، أو كيف يكون مشبها من يثبت أصابع على ما بينه النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - للخالق البارئ ؟ . 
ونقول : إن الله - جل وعلا - يمسك السماوات على أصبع ، والأرضين على أصبع ، تمام الحديث . 
ونقول : إن جميع بني آدم - منذ خلق الله 
آدم  إلى أن ينفخ في الصور ، لو اجتمعوا على إمساك جزء من أجزاء كثيرة من سماء من سماواته ، أو أرض من أراضيه السبع بجميع أبدانهم ، كانوا غير قادرين على ذلك ، ولا مستطيعين له ، بل عاجزين  
[ ص: 195 ] عنه ، فكيف يكون من يثبت لله - عز وجل - يدين على ما ثبته الله لنفسه ، وأثبته له - صلى الله عليه وسلم - مشبها يدي ربه بيدي بني آدم ؟ . 
نقول : لله يدان مبسوطتان ، ينفق كيف يشاء ، بهما خلق الله 
آدم   - عليه السلام - ، وبيده كتب التوراة لموسى - عليه السلام - ، ويداه قديمتان لم تزالا باقيتين ، وأيدي المخلوقين مخلوقة محدثة غير قديمة ، فانية غير باقية ، بالية تصير ميتة ، ثم رميما ، ثم ينشئه الله خلقا آخر
فتبارك الله أحسن الخالقين ، فأي تشبيه يلزم أصحابنا : - أيها العقلاء - إذا أثبتوا للخالق ما أثبته الخالق لنفسه ، وأثبته له نبيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - . 
وقول هؤلاء المعطلة يوجب أن كل من يقرأ كتاب الله ، ويؤمن به إقرارا باللسان ، وتصديقا بالقلب فهو مشبه ؛ لأن الله ما وصف نفسه في محكم تنزيله بزعم هذه الفرقة . 
ومن وصف يد خالقه فهو : يشبه الخالق بالمخلوق ، فيجب على قود مقالتهم : أن يكفر بكل ما وصف الله به نفسه في كتابه ، وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - عليهم لعائن الله ؛ إذ هم كفار منكرون لجميع ما وصف الله به نفسه  
[ ص: 196 ] في كتابه ، وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - غير مقرين بشيء منه ، ولا مصدقين بشيء منه . 
نقول : لو شبه بعض الناس : يد قوي الساعدين شديد البطش ، عالم بكثير من الصناعات ، جيد الخط ، سريع الكتابة ، بيد ضعيف البطش ، من الآدميين ، خلو من الصناعات والمكاسب ، أخرق ، لا يحسن أن يخط بيده كلمة واحدة ، أو شبه يد من ذكرنا أولا بالقوة ، والبطش الشديد ، بيد صبي في المهد ، أو كبير هرم يرعش ، لا يقدر على قبض ، ولا بسط ، ولا بطش . 
أو نقول له : يدك شبيهة بيد قرد ، أو خنزير ، أو دب ، أو كلب ، أو غيرها من السباع ، أما ما يقوله سامع هذه المقالة - إن كان من ذوي الحجا والنهى - : أخطأت يا جاهل التمثيل ، ونكست التشبيه ، ونطقت بالمحال من المقال ، ليس كل ما وقع عليه اسم اليد ، جاز أن يشبه ويمثل إحدى اليدين بالأخرى ، وكل عالم بلغة العرب ، فالعلم عنده محيط : أن الاسم الواحد قد يقع على الشيئين مختلفي الصفة ، متبايني المعاني . 
وإذا لم يجز إطلاق اسم التشبيه ، إذا قال المرء لابن آدم ، وللقرد يدان ، وأيديهما مخلوقتان ، فكيف يجوز أن يسمى مشبها من يقول لله يدان ، على ما أعلم في كتابه وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، ونقول : لبني آدم يدان ، ونقول : ويدا الله بهما خلق آدم ، وبيده كتب التوراة 
لموسى   - عليه السلام - ، ويداه مبسوطتان ، ينفق كيف يشاء ،  
[ ص: 197 ] وأيدي بني آدم مخلوقة على ما بينت وشرحت قبل : في باب الوجه والعينين ، وفي هذا الباب . 
وزعمت الجهمية المعطلة : أن معنى قوله : 
بل يداه مبسوطتان ، أي نعمتاه ، وهذا تبديل ، لا تأويل . 
والدليل على نقض دعواهم : هذه أن نعم الله كثيرة ، لا يحصيها إلا الخالق البارئ ، ولله يدان لا أكثر منهما ، كما قال لإبليس عليه لعنة الله : 
ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ، فأعلمنا - جل وعلا - أنه خلق 
آدم  بيديه ، فمن زعم أنه خلق آدم بنعمته ، كان مبدلا لكلام الله ، وقال الله - عز وجل - : 
والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ، أفلا يعقل أهل الإيمان : أن الأرض جميعا لا تكون قبضة إحدى نعمتيه يوم القيامة ، ولا أن السماوات مطويات بالنعمة الأخرى . 
ألا يعقل - ذوو الحجا - من المؤمنين : أن هذه الدعوى التي يدعيها الجهمية جهل ، أو تجاهل شر من الجهل ، بل الأرض جميعا قبضة ربنا - جل وعلا - ، بإحدى يديه يوم القيامة ، والسماوات مطويات بيمينه وهي : اليد الأخرى ، وكلتا يدي ربنا يمين ،  
[ ص: 198 ] لا شمال فيهما - جل ربنا وعز - أن يكون له يسار ؛ إذ كون إحدى اليدين يسارا ، إنما يكون من علامات المخلوقين ، - جل ربنا وعز - عن شبه خلقه ، وافهم ما أقول من جهة اللغة ، تفهم وتستيقن ، أن الجهمية مبدلة لكتاب الله ، لا متأولة قوله : 
بل يداه مبسوطتان ، لو كان معنى اليد النعمة - كما ادعت الجهمية - لقرئت : بل يداه مبسوطة ، أو منبسطة ؛ لأن نعم الله أكثر من أن تحصى ، ومحال أن تكون نعمة نعمتين لا أكثر . 
فلما قال الله - عز وجل - : 
بل يداه مبسوطتان ، كان العلم محيطا ، أنه ثبت لنفسه يدين لا أكثر منهما ، واعلم أنهما مبسوطتان ، ينفق كيف يشاء . 
والآية دالة أيضا على أن ذكر اليد في هذه الآية ليس معناه النعمة ، حكى الله - جل وعلا - قول اليهود ، فقال : 
وقالت اليهود يد الله مغلولة ، فقال الله - عز وجل - ردا عليهم : 
غلت أيديهم ، وقال : 
بل يداه مبسوطتان ، وبيقين يعلم كل مؤمن : أن الله لم يرد بقوله : 
غلت أيديهم ، أي : غلت نعمهم ، لا ، ولا اليهود أن نعم الله مغلولة ، وإنما رد الله عليهم مقالتهم ، وكذبهم في قولهم : 
يد الله مغلولة ، وأعلم المؤمنين أن يديه مبسوطتان ، ينفق كيف يشاء ، وقد قدمنا ذكر إنفاق الله - عز وجل - بيديه في خبر 
 nindex.php?page=showalam&ids=17257همام بن منبه  ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=656869 " يمين الله ملأى ، سحاء لا يغيضها نفقة " . 
فأعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله ينفق بيمينه ، وهما يداه التي أعلم الله أنه ينفق بهما كيف يشاء .  
[ ص: 199 ] وزعم بعض الجهمية :  أن معنى قوله : " خلق الله آدم بيديه " : 
أي بقوته ، فزعم أن اليد هي القوة ، وهذا من التبديل أيضا ، وهو جهل بلغة العرب ، والقوة إنما تسمى الأيد بلغة العرب ، لا اليد ، فمن لا يفرق بين اليد والأيد ، فهو إلى التعليم والتسليم إلى الكتاتيب أحوج منه إلى الترؤس والمناظرة . 
قد أعلمنا الله - عز وجل - أنه خلق السماء بأيد ، واليد واليدان غير الأيد ، إذ لو كان الله خلق آدم بأيد كخلقه السماء ، دون أن يكون الله خص خلق 
آدم  بيديه ، لما قال لإبليس : 
ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي  . 
ولا شك ولا ريب : أن الله - عز وجل - قد خلق إبليس - عليه لعنة الله - أيضا بقوته ، أي إذا كان قويا على خلقه ، فما معنى قوله : 
ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ، عند هؤلاء المعطلة ، والبعوض والنمل وكل مخلوق ، فالله خلقهم عنده بأيد وقوة . 
وزعم من كان يضاهي بعض مذهبه مذهب الجهمية : في بعض عمره لما لم يقبله أهل الآثار ، فترك أصل مذهبه عصبية : زعم أن خبر 
 nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود  الذي ذكرناه ، إنما ذكر اليهودي أن الله يمسك السماوات على أصبع . . الحديث بتمامه ، وأنكر أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحك تعجبا وتصديقا له . 
فقال : إنما هذا من قول 
 nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود  ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما ضحك تعجبا لا تصديقا لليهودي ، وقد كثر تعجبي من إنكاره ، ودفعه هذا الخبر ، وكان يثبت الأخبار في ذكر الأصبعين ، قد احتج في غير كتاب من كتبه بأخبار النبي  
[ ص: 200 ]  - صلى الله عليه وسلم - : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=697817 " ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع رب العالمين " ، فإذا كان هذا عنده ثابتا يحتج به ، فقد أقر وشهد أن لله أصابع ؛ لأن مفهوما في اللغة : إذا قيل أصبعين من الأصابع : أن الأصابع أكثر من أصبعين ، فكيف ينفي الأصابع مرة ، ويثبتها أخرى ؟ فهذا تخليط في المذهب ، والله المستعان . 
وقد حكيت مرارا عن بعض من كان يطيل مجالسته ، أنه قد انتقل في التوحيد منذ قدم نيسابور ثلاث مرات ، وقد وصفت أقاويله التي انتقل من قول إلى قول ، وقد رأيت في بعض كتبه يحتج بخبر 
 nindex.php?page=showalam&ids=16861ليث بن أبي سليم  ، عن 
عبد الرحمن بن سابط ،  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=131أبي أمامة ،  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . 
ويخبر 
خالد بن اللجلاج ،  عن 
عبد الرحمن بن عائش  ، عن  
[ ص: 201 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=710858 " رأيت ربي في أحسن صورة " ، فيحتج مرة بمثل هذه الأسانيد الضعاف الواهية ، التي لا تثبت عند أحد له معرفة بصناعة الحديث . 
ثم عمد إلى أخبار ثابتة صحيحة من جهة النقل ، مما هو أقل شناعة عند 
الجهمية  المعطلة من قوله : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=710858 " رأيت ربي في أحسن صورة " ، فيقول : هذا كفر بإسناد ، ويشنع على علماء الحديث بروايتهم تلك الأخبار الثابتة الصحيحة ، والقول بها قلة رغبة ، وجهل بالعلم وعناد . 
والله المستعان ، وإن كان قد رجع عن قوله : فالله يرحمنا وإياه .  
[ ص: 202 ]