3 - ( 57 ) : حدثنا
سلم بن جنادة ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12156أبو معاوية ، قال : ثنا
عاصم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12081أبي عثمان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى ، . . . فذكر الحديث ، وقال : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=661881أيها الناس : إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ، إنما تدعون سميعا قريبا " . [ ص: 114 ] خرجت طرق هذا الخبر في كتاب : الذكر والتسبيح .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13114أبو بكر : فاسمعوا - يا ذوي الحجا - ما نقول في هذا الباب ، ونذكر بهت
الجهمية وزورهم ، وكذبهم على علماء أهل الآثار ، ورميهم خيار الخلق بعد الأنبياء بما الله قد نزههم عنه ، وبرأهم منه ، بتزور
الجهمية على علمائنا ، إنهم مشبهة ، فاسمعوا ما أقول ، وأبين من مذاهب علمائنا ، تعلموا وتستيقنوا بتوفيق خالقنا ، أن هؤلاء المعطلة يبهتون العلماء ، ويرمونهم بما الله نزههم عنه .
نحن نقول : لربنا الخالق عينان يبصر بهما ما تحت الثرى ، وتحت الأرض السابعة السفلى ، وما في السماوات العلى ، وما بينهما من صغير وكبير ، لا يخفى على خالقنا خافية في السماوات السبع ، والأرضين السبع ، ولا مما بينهم ولا فوقهم ، ولا أسفل منهن ، لا يغيب عن بصره من ذلك شيء ، يرى ما في جوف البحار ولججها ، كما يرى عرشه الذي هو مستو عليه .
وبنو آدم - وإن كانت لهم عيون يبصرون بها - فإنهم إنما يرون ما قرب من أبصارهم ، مما لا حجاب ولا ستر بين المرئي وبين أبصارهم ، وما يبعد منهم ، وإن كان يقع اسم القرب عليه في بعض الأحوال ؛ لأن العرب التي خوطبنا بلغتها - قد تقول : قرية كذا منا قريبة ، وبلدة كذا قريبة منا ، ومن بلدنا ، ومنزل فلان قريب منا ،
[ ص: 115 ] وإن كان بين البلدين وبين القريتين ، وبين المنزلين فراسخ .
والبصير من بني آدم ، لا يدرك ببصره شخص آخر ، من بني آدم ، وبينهما فرسخان فأكثر ، وكذلك لا يرى أحد من الآدميين ما تحت الأرض ، إذا كان فوق المرئي من الأرض ، والتراب قدر أنملة ، أو أقل منها بقدر ما يغطى ويوارى الشيء ، وكذلك لا يدرك بصره ، إذا كان بينهما حجاب من حائط ، أو ثوب صفيق ، أو غيرهما مما يستر الشيء ، عن عين الناظر ، فكيف يكون - يا ذوي الحجا - مشبها من يصف عين الله بما ذكرنا ، وأعين بني آدم بما وصفنا .
ونزيد شرحا وبيانا : نقول : عين الله - عز وجل - قديمة ، لم تزل باقية ، ولا يزال محكوم لها بالبقاء ، منفي عنها الهلاك ، والفناء ، وعيون بني آدم محدثة مخلوقة ، كانت عدما غير مكونة ، فكونها الله ، وخلقها بكلامه الذي هو : صفة من صفات ذاته ، وقد قضى الله وقدر أن عيون بنى آدم تصير إلى بلاء ، عن قليل ، - والله نسأل خير ذلك المصير - ، وقد يعمي الله عيون كثير من الآدميين ، فيذهب بأبصارها قبل نزول المنايا بهم ، ولعل كثيرا من أبصار الآدميين ، قد سلط خالقنا عليها ديدان الأرض حتى تأكلها ، وتفنيها بعد نزول المنية بهم ، ثم ينشئها الله بعد ، فيصيبها ما قد ذكرنا قبل في - ذكر الوجه - ، فما الذي يشبه - يا ذوي الحجا - عين الله التي هي موصوفة بما ذكرنا عيون بني آدم ، التي وصفناها بعد ؟ .
[ ص: 116 ] ولست أحسب : لو قيل لبصير - لا آفة ببصره ، ولا علة بعينه ، ولا نقص ، بل هو أعين ، أكحل ، أسود الحدق ، شديد بياض العينين ، أهدب الأشفار : عينك كعين فلان ، الذي هو : صغير العين ، أزرق ، أحمر بياض العينين ، قد تناثرت أشفاره ، وسقطت ، أو كان أخفش العين ، أزرق ، أحمر بياض شحمها ، يرى الموصوف الأول : الشخص من بعيد ، ولا يرى الثاني مثل ذلك الشخص من قدر عشر ما يرى الأول ، لعلة في بصره ، أو نقص في عينه ، إلا غضب من هذا وأنف منه ، فلعله يخرج إلى القائل له ذلك إلى المكروه من الشتم والأذى .
ولست أحسب عاقلا يسمع هذا المشبه عيني أحدهما بعيني الآخر ، إلا وهو يكذب هذا المشبه عين أحدهما بعين الآخر ، ويرميه بالعته ، والخبل والجنون ، ويقول له : لو كنت عاقلا يجري عليك القلم : لم تشبه عيني أحدهما بعيني الآخر ، وإن كانا جميعا يسميان بصيرين ، إذ ليسا بأعميين ، ويقال : لكل واحد منهما عينان يبصر بهما ، فكيف لو قيل له : عينك كعين الخنزير ، والقرد ، والدب ، والكلب ، أو غيرها من السباع ، أو هوام الأرض ، والبهائم ، فتدبروا - يا ذوي الألباب - أبين عيني خالقنا الأزلي ، الدائم الباقي ، الذي لم يزل ولا يزال ، وبين عيني الإنسان من الفرقان أكثر ، أو مما بين أعين بني آدم ، وبين عيون ما ذكرنا ؟ .
[ ص: 117 ] تعلموا وتستيقنوا أن من سمى علماءنا مشبهة غير عالم بلغة العرب ، ولا يفهم العلم ، إذ لم يجز تشبيه أعين بني آدم بعيون المخلوقين ، من السباع والبهائم ، والهوام ، وكلها لها عيون يبصرون بها ، وعيون جميعهم محدثة مخلوقة ، خلقها الله بعد أن كانت عدما ، وكلها تصير إلى فناء وبلى ، وغير جائز إسقاط اسم العيون والأبصار عن شيء منها ، فكيف يحل لمسلم - لو كانت الجهمية من المسلمين - أن يرموا من [يثبت لله عينا بالتشبيه ، فلو كان كل ما وقع] عليه الاسم كان مشبها ؛ لما يقع عليه ذلك الاسم ، لم يجز قراءة كتاب الله ، ووجب محو كل آية بين الدفتين فيها ذكر نفس الله ، أو عينه ، أو يده ، ولوجب الكفر بكل ما في كتاب الله - عز وجل - من ذكر صفات الرب ، كما يجب الكفر بتشبيه الخالق بالمخلوق ، إلا أن القوم جهلة ، لا يفهمون العلم ، ولا يحسنون لغة العرب ، فيضلون ويضلون .
والله نسأل العصمة والتوفيق والرشاد ، في كل ما نقول وندعو إليه .
[ ص: 118 ]