[ ص: 59 ] (
بسم الله الرحمن الرحيم )
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت .
مقدمة المؤلف .
قال الشيخ الإمام العالم
أبو جعفر أحمد بن سلامة الأزدي الطحاوي رحمه الله :
الحمد لله على ما أوضح لنا من برهانه ، وبين لنا من فرقانه ، وهدانا إليه من نور كتابه الذي أنزله على
محمد صلى الله عليه وسلم باللسان العربي المبين ، وأنهج به الصراط المستقيم ، وجعله مهيمنا على ما قبله من الكتب التي أنزلها على النبيين صلى الله عليهم أجمعين .
أما بعد ، فإن الله جل ثناؤه أنزل على نبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - فيما أنزل عليه في كتابه (
هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ) .
فأعلمنا - عز وجل - بذلك أن
من كتابه آيات محكمات ، قد أحكمها بالتأويل مع حكمة التنزيل ، وأنها أم الكتاب ، وأن من كتابه آيات متشابهة ، ثم ذم
مبتغي المتشابهات ، فقال : (
فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ) .
لأن حكم المتشابهات إنما يلتمس من الآيات المحكمات التي جعلها الله - عز وجل - ، للكتاب أما ، ثم من أحكامه التي أجراها على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - تبيانا لما أنزل في كتابه متشابها ، وأمر عز وجل بقبول ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولا ، كما أمر بقبول كتابه منه قرآنا ، فقال - عز وجل - : (
وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ، (
وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ) وقال : (
وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم )
[ ص: 60 ] .
فأوجب - عز وجل - علينا بذلك قبول ما أتانا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولا ، كما أوجب قبول ما تلاه علينا قرآنا .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13490عيسى بن إبراهيم الغافقي ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16920ابن المنكدر ، وأبي النضر ، عن
عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبيه أو غيره ، يذكره ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=675912 " لألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه ، فيقول : لا أدري ، ما وجدناه في كتاب الله - عز وجل - اتبعناه " .
وحدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16472عبد الله بن وهب ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15956أبي النضر ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " لأعرفن الرجل منكم يأتيه الأمر من أمري ، إما أمرت به ، وإما نهيت عنه ، وهو متكئ على أريكته ، فيقول : ما ندري ما هذا ؟ عندنا كتاب الله ، وليس هذا فيه " .
حدثنا
يونس ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب ، قال : أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=16700عمرو بن الحارث ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15956أبي النضر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12003أبي رافع ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وحدثنا
يونس ، قال : أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب ، قال : أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15956أبي النضر ، عن
موسى بن عبد الله بن قيس ، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لأعرفن أحدكم يأتيه الأمر من أمري ، قد أمرت به أو نهيت عنه ، وهو متكئ على أريكته ، فيقول : ما وجدناه في كتاب الله عملناه ، وإلا فلا " .
حدثنا
محمد بن الحجاج بن سليمان الحضرمي ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12310أسد بن موسى ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17109معاوية بن صالح ، عن
الحسن بن جابر ، nindex.php?page=hadith&LINKID=676525عن المقدام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري ، فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله - عز وجل - ، ما وجدناه فيه من حرام حرمناه ، ألا وإن ما حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو مثل ما حرم الله " .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13856إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12153أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني ، [ ص: 61 ] قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17311يحيى بن حمزة ، قال : حدثني
الزبيدي ، عن
مروان بن رويه ، أنه حدثه ، عن
عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي ، nindex.php?page=hadith&LINKID=697391عن المقدام بن معديكرب الكندي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " أوتيت الكتاب وما يعدله ، يوشك شبعان على أريكته ، يقول : بيننا وبينكم هذا الكتاب ، فما كان فيه من حلال أحللناه ، وما كان فيه من حرام حرمناه ، ألا وإنه ليس كذلك ، لا يحل ذو ناب من السباع ، ولا الحمار الأهلي " .
وأعلمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي عنه قبلنا كتاب الله - عز وجل - أن علينا قبول ما قاله لنا ، وما أمرنا به وما نهانا عنه ، وإن لم يكن قرآنا ، كما علينا قبول ما تلاه علينا قرآنا ، ثم وجدنا أشياء قد كانت مستعملة في الإسلام فرضا غير مذكورة في القرآن .
منها :
التوارث بالهجرة في الإسلام ، ثم نسخ الله - عز وجل - ذلك بما أنزل في كتابه من قوله : (
وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين ) وروي في ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير ما سنذكره في موضعه من كتابنا هذا بإسناده إن شاء الله .
ومنها :
الصلاة إلى بيت المقدس ، فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك ، ثم نسخ الله - عز وجل - ذلك بما أنزل في كتابه : (
قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره . )
وسنذكر ذلك بأسانيده في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى .
ومنها :
بيع الأحرار في الديون التي عليهم ، ثم نسخ الله - عز وجل - ذلك بما أنزل في كتابه من قوله : (
وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) .
وكان القرآن قد نسخ من ذلك ما كان غير قرآن ، وكان على المسلمين فرضا ، وأوجب له حكما مستأنفا ، ولم ينقض بذلك ما قد مضى قبل نزول الآيات الناسخات على ما كان مضى عليه من بيع الأحرار في الديون ، ومن التوارث بالهجرة دون الأرحام ، ولو كان نزول
[ ص: 62 ] هذه الآيات أوجب حكما متقدما فيما مضى قبل نزولها ، إذا لرد ما مضى قبلها إلى الذي أنزل فيها ، ولأن لما ثبت إمضاء الأمور فيما كان قبل نزولها على ما مضت عليه ، وإن كان خلاف ما نزل بعده ، دل ذلك على أن ما كانت الأمور مضت عليه قبل نزول ما قد خالفه ، قد مضى على فرض من الله - عز وجل - ، ولما كان ما تقدم نزول القرآن في الإسلام من الأحكام يجري على ما جرى عليه ، ولا ينقضه نزول القرآن بخلافه وكان نزول القرآن ينسخه ، لأنه من شكله ، كان مثل ذلك إذا كان من الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد نزول القرآن ناسخا لما أنزل قبل ذلك من القرآن إذا كان يخالف حكمه وإن كان من الناس من قد خالفنا في ذلك ، وذهب إلى أنه لا ينسخ القرآن إلا قرآن فإن القول في ذلك عندنا ما قد ذكرناه فيه لما اعتللنا به فيه ، ولما قد وجدنا في كتاب الله - عز وجل - مما قد دل عليه ، قال الله - عز وجل - في الزانيات : (
واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ) .
ثم
nindex.php?page=hadith&LINKID=75871قال النبي صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " .
وسنذكر هذا الحديث بإسناده في موضعه من كتابنا هذا ، إن شاء الله .
وكان السبيل الذي ذكره الله - عز وجل - في القرآن غير مذكور ما هو فيما أنزل بعد ذلك من القرآن ، مذكورا على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - بغير القرآن ، وناسخا لما تقدم في حكم الزانيات .
وإن قال قائل : السبيل الذي ذكره الله - عز وجل - في هذه الآية هو قوله - عز وجل - في سورة النور : (
الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) .
قيل له : في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي حكيناه ما يوجب خلاف هذا ، لأنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=660207 " خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا " ، فأخبر السبيل ما هو ؟ ولم يكن قبل ذلك لله - عز وجل - سبيل أنزلها في ذلك قرآنا ولم يخل ذلك من أحد وجهين : إما أن يكون قبل نزول قوله - عز وجل - في سورة النور : (
الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) أو بعد نزوله وإن كان ذلك قبل نزوله فقد نزل ، وقد تقدمه جعل
[ ص: 63 ] الله - عز وجل - السبيل في الزانيات على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - ما قد ذكرناه عنه ، ثم نزل قوله في سورة النور في الأبكار من الزواني والزناة .
وإن كان بعد نزول ذلك ، فإنه نزل بحكم الله - عز وجل - أراد به الأبكار من الزواني والزناة دون من سواهم من الثيب ، أو يكون أراد به كل الزواني والزناة ، ثم نسخ ذلك على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - بما قد ذكرناه عنه في تفصيله بين حكم الأبكار من الثيب من الزواني والزناة ، فأحطنا بذلك علما أن في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - بما قد ذكرناه عنه حكما حادا لله - عز وجل - في الزواني والزناة على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، نسخ به ما كان قد تقدمه مما يخالفه في القرآن .
وفرض الله جل ثناؤه الوصية في كتابه للوالدين والأقربين ، فقال - عز وجل - : (
كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين ) .
ثم نسخ ذلك على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - بقوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664416 " لا وصية لوارث " .
فإن قال قائل : إنما نسخ الله - عز وجل - ذلك بآية المواريث ؟ قيل له : ما على نسخ الله - عز وجل - بآية المواريث كما ذكرت ، لأن آية المواريث أوجبت المواريث بعد الوصايا والديون إن كانت والوصايا فقد كانت في كتاب الله - عز وجل - للوالدين والأقربين ، فلم يكن في آية المواريث دليل على نسخ الوصية للوالدين ، لأنه قد يجوز أن يكون قد جمع للوالدين بالآيتين الميراث والوصية ، ولأن الذي به علمنا نسخ الوصية للوالدين ، ووقفنا به على ذلك هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=664416 " لا وصية لوارث " . فثبت بما ذكرنا أن
السنة قد تنسخ القرآن ، كما ينسخ القرآن السنة .
فإن قال قائل : فقد قال الله - عز وجل - لنبيه صلى الله عليه وسلم : (
قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي ) . فدل ذلك على أن التبديل إنما يكون عن الله - عز وجل - ، ولا يكون ذلك إلا بالقرآن .
قيل له : ومن قال لك أن الحكم الذي نسخ ما نسخ من القرآن ليس من قبل الله عز
[ ص: 64 ] وجل ، أو أن السنة ليست عن الله - عز وجل - ؟ بل هما عنه ، ينسخ بهما ما شاء من القرآن ، كما ينسخ منهما ما شاء بالقرآن .
وكان من القرآن ما قد يخرج على المعنى الذي يكون ظاهرا لمعنى ، ويكون باطنه معنى آخر وكان الواجب علينا في ذلك استعمال ظاهره ، وإن كان باطنه قد يحتمل خلاف ذلك ، لأنا إنما خوطبنا ليبين لنا ، ولم نخاطب به لغير ذلك ، وإن كان بعض الناس قد خالفنا في هذا ، وذهب إلى أن الظاهر في ذلك ليس بأولى به من الباطن فإن القول عندنا في ذلك ما ذهبنا إليه للدلائل التي قد رأيناها تدل عليه وتوجب العمل به من ذلك : أنا رأينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أنزل الله عليه : (
وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ) قرأها على الناس ، فعمد غير واحد ، منهم
عدي بن حاتم الطائي ، إلى خيطين أحدهما أسود ، والآخر أبيض فاعتبر بهما ما في الآية .
ثم ذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يعنفهم على ما كان منهم ، ولم يقل لهم : قد كان الأبيض والأسود اللذان عنيا في هذه الآية غير ما ذهبتم إليه ، بل قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=651783 " إنك لعريض الوساد ، إنما ذلك على سواد الليل وبياض النهار " .
ولم يعب عليهم - صلى الله عليه وسلم - استعمال الظاهر في ذلك ، وسنذكر ذلك بأسانيده في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله .
وفي استعمالهم ما استعملوا من ذلك قبل توقيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياهم على المراد بذلك دليل أن لهم استعمال القرآن على ظاهره ، وإن لم يوفقوا على تأويله نصا كما وفقوا على تنزيله نصا . وفي ثبوت ذلك ثبوت استعمال الظاهر ، وأنه أولى بتأويل الآي من الباطن .
ومثل ذلك ما قد علموه من
تحريم الله - عز وجل - الخمر ، ولم يبين لهم في الآية ما تلك الخمر وما جنسها ؟ فكسر بعضهم آنيته وهراق خمره ، وهم :
nindex.php?page=showalam&ids=5أبو عبيدة بن الجراح ، وأبو طلحة ، nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب ، وسهيل بن البيضاء وغيرهم من أمثالهم رضوان الله عليهم .
وكان الذي هراقوه يومئذ فضيح البسر والتمر ، وذهبوا إلى أن ذلك هو الخمر التي
[ ص: 65 ] حرمت عليهم ، أو من الخمر التي حرمت عليهم ، وخالفهم في ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر ، فقال : لقد حرمت الخمر ، وما
بالمدينة منها شيء ، وهو يعرف بالفضيح الذي قد ذكرناه ، وإن
المدينة ما كانت تخلو منه .
وخالفه في ذلك أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، فقال : حرمت الخمر ، وهي الفضيح ، وخالفهم في ذلك جميعا
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال : حرمت وهي من خمسة أشياء : من العنب ، والتمر ، والعسل ، والحنطة ، والشعير .
فدل ذلك على استعمالهم تلك الآية على ما كان وقع في قلوبهم أنه المراد بها على ما ظهر لهم من حكمها ، وأنه لم يكن عليهم إلا ذلك ثم لم يعنفهم النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا قال لهم : قد كان ينبغي أن لا تعجلوا بإتلاف أموالكم حتى تعلموا تحريم الله - عز وجل - إياها عليكم بما لا تحتمل غير ما تعلمونه من ذلك ، وسنذكر أسانيد هذه الأقاويل في موضعها من كتابنا هذا إن شاء الله .
وفي وجوب حمل هذه الآيات على ظاهرها وجوب حملها على عمومها ، وإن كان بعض الناس قد ذهب إلى أن العام ليس بأولى بها من الخاص ، إلا بدليل آخر يدل عليه إما من كتاب ، وإما من سنة ، وإما من إجماع فإنا لا نقول في ذلك كما قال ، ولكنا نذهب إلى أن العام في ذلك أولى بها من الخاص لأنه لما كانت الآيات فيها ما يراد به العام ، وفيها ما يراد به الخاص وكانوا قد استعملوا قبل التوقيف على ما ظهر لهم من المراد بها من عموم أو خصوص ، وكان الخصوص لا يوقف عليه بظاهر التنزيل ، إنما يوقف عليه بتوقيف ثان من الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو من آية أخرى من التنزيل تدل عليه .
ثبت بما ذكرنا أن الذي عليهم في ذلك استعمالها على عمومها ، وأنه أولى بها من استعمالها على خصوصها ، حتى يعلم : أن الله - عز وجل - أراد بها سوى ذلك .
وقد ألفنا كتابنا هذا نلتمس فيه كشف ما قدرنا على كشفه من أحكام كتاب الله - عز وجل - ، واستعمال ما حكينا في رسالتنا هذه في ذلك ، وإيضاح ما قدرنا على إيضاحه منه ، وما يجب العمل به فيه بما أمكننا من بيان متشابهه بمحكمه ، وما أوضحته السنة منه ، وما بينته اللغة العربية منه ، وما دل عليه مما روي عن السلف الصالح من الخلفاء الراشدين المهديين ، ومن سواهم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتابعيهم بإحسان رضوان الله عليهم
[ ص: 66 ] .
والله نسأله المعونة على ذلك ، والتوفيق له ، فإنه لا حول لنا ولا قوة إلا به ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .
فأول ما نذكر من ذلك ، ما وقفنا عليه من أحكام الطهارات المذكورات في كتاب الله عز وجل
[ ص: 67 ] .