واحتج أهل هذه المقالة لقوله هذا بما روي في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية يعني : قوله - عز وجل - : (
إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) الآية .
782 - حدثنا
عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14906الفريابي ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16833قيس بن الربيع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12026أبي سفيان ، قال :
جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأله وهو يقسم ، فأعرض عنه وجعل يقسم ، فقال : أتعطي رعاء الشاء ؟ والله ما عدلت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فمن يعدل إذا لم أعدل ؟ " فأنزل الله - عز وجل - : (
إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) الآية كلها .
قال : ففي هذا ما يدل أنه إنما أريد بهذه الآية نفي غير أهل هذه الأصناف وإخراجهم من أهلها .
وقال قائلون : بل موضع الصدقات كلها من زكاة الأموال ، ومن صدقات الفطر في الأصناف التي سمى الله - عز وجل - في هذه الآية التي تلونا ، إلا أنه من فقد منها صنفا فلم يوجد كالمؤلفة قلوبهم الذين قد فقدوا ، رجع جميع الصدقة في الأصناف الباقية المسلمين فيها ، وممن قال بهذا القول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
ولما اختلفوا في ذلك واحتملت الآية ما ذهب إليه كل واحد من الفريقين فيما تأولها
[ ص: 373 ] عليه ، كان أولى الأشياء بنا صرف تأويلها إلى ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وعن
حذيفة في ذلك ، ولا نعلم لها في ذلك من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مخالفا مع أنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على ما ذهبنا إليه من ذلك .
783 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17362يزيد بن سنان ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12563محمد بن إسحاق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17003محمد بن عمرو بن عطاء ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار ، nindex.php?page=hadith&LINKID=696670عن سلمة بن صخر ، قال : كنت امرءا قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت أحد غيري ، فلما دخل رمضان تظهرت من امرأتي مخافة أن أصيب منها شيئا ، فأتتابع في ذلك فلا أستطيع أن أنزع حتى يدركني الصبح ، فبينا هي ذات ليلة تخدمني إذ كشف لي منها شيء فوثبت عليها ، فلما أصبحت غدوت إلى قومي فأخبرتهم خبري وقلت : انطلقوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : لا ، والله لا ننطلق معك ، نخاف أن ينزل فيك قرآن ، أو يقول فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالة يبقى علينا عارها ، ولكن اذهب أنت ، فاصنع ما بدا لك ، قال : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته خبري ، قال : " أنت بذاك ؟ " ، قلت : أنا بذاك قال : " أنت بذاك " ؟ قلت : أنا بذاك ، قال : " أنت بذاك " ، قلت : أنا بذاك ، وهأنذا ، فاصنع ما بدا لك ، فإني صابر عليك .
قال : " فأعتق رقبة " .
قال : فضربت صفحة عنقي وقلت : والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها .
قال : " فصم شهرين متتابعين " ، قال : قلت : يا رسول الله ، وهل أصابني ما أصابني إلا في الصيام .
قال : " فأطعم ستين مسكينا " ، قال : قلت : يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق لقد بتنا هذه الليلة وحشاء ، ما لنا طعام .
قال : " انطلق إلى صاحب صدقة بني زريق ، فمره يدفع إليك صدقاتهم ، " فأطعم وسقا بين ستين مسكينا ، واستعن بسائره عليك وعلى عيالك " .
قال : فأتيت قومي ، فقلت : وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ، ووجدت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السعة والبركة ، قد أمركم أن تدفعوا إلي صدقة أموالكم ، فدفعوها لي ، فأطعمت وسقا ستين مسكينا ، وأكلت سائره أنا وأهلي .
فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جعل لقوم
سلمة بن صخر أن يدفعوا صدقاتهم إلى
سلمة بن صخر ، وليس من أهل الأصناف المذكورة في الآية التي تلوناها
[ ص: 374 ] كلها ، إنما هو من صنف واحد من أصنافها ، فدل ما ذكرنا على صحة تأويل
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وحذيفة الذي ذكرناه عنهما .
وقد روينا فيما تقدم من كتابنا هذا حديث
عبد الله بن الخيار nindex.php?page=hadith&LINKID=702830عن رجلين من قومه ، أنهما أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقسم الصدقة ، فسألاه منها ، فرفع البصر فيهما وخفضه فرآهما رجلين قويين ، فقال : " إن شئتما فعلت ، ولا حق فيها لغني ولا لقوي مكتسب " ، ولم يسألهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصنف الذي هما منه من أصناف أهل الصدقة المذكورة في الآية التي تلونا ، ولو كان يحتاج إلى إدخالهما في صنف من أصنافها ليحسب بما يعطيهما منها في جزء ذلك الصنف .
وقد روينا فيما تقدم منا في كتابنا هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه أمر
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل لما وجهه على الصدقة ، " أن يأخذها من الأغنياء فيضعها في الفقراء " . فدل ذلك على أن
أهل الصدقة هم الفقراء ، وكل من وقع عليه بهذا الاسم كان مستحقا لها .
فإن قال قائل : فقد رويتم فيما تقدم من هذا الكتاب حديث
الصدائي ، لما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=673312إن الله - عز وجل - لم يرض في الصدقات بحكم نبي ولا غيره حتى جزأها ثمانية أجزاء ، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك منها " .
قال : فهذا قد دل على أن
الصدقات مجزأة على ثمانية أجزاء على ما في الآية التي تلونا قيل له : في هذا الحديث ما دل على ما قلنا ، وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=673312فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك منها " ، ولم يقل : فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك ما يصيب ذلك الجزء منها .
وفي هذا الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب
للصدائي بشيء من صدقة قومه كتابا ، ولم يسأله من الغارمين هو أو من سائر أصناف الصدقات الذين ذكرهم الله - عز وجل - في الآية التي تلونا ليكون يكتب إلى عامله على الصدقة فيما هناك أن يحتسب بالذي يدفعه إليه منها في حصة أهل ذلك الجزء منها .
فدل ذلك أن مراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله
للصدائي : إن الله - عز وجل - جزأها ثمانية أجزاء يجزئ وضع الصدقات منها في كل جزء منها
[ ص: 375 ] .
ولما كان الإمام إذا اجتمعت عنده الصدقات ، جعلها حيث يجب عليه أن يجعلها فيه ، إن كان فيما قد صار إليه منها شيء بعينه كابنة مخاض ، أو كابنة لبون ، أو كحقة ، أو كجذعة ، أو كثنية أو كسوى ذلك مما يجب في سوائم المواشي ، ولم يكن عليه مع ذلك حتى يحصل ثمنه دراهم أو دنانير ، أو ما سواها مما تمكن تجزئته على جميع الأصناف الذين ذكرهم الله - عز وجل - وعرائه في الصدقات ، وإنما كان عليه وضع ما صار في يده منها بعينه فيما يجب وضعه فيه ، ولم يكن عليه أن يعم بما أعطاه كل رجل منهم أهل الأصناف ، دل ذلك على أن المراد بالآية ما ذهب إليه في تأويلها
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وحذيفة مما ذكرناه عنهما .
وقد ذكرنا في حديث
سلمة بن صخر الذي رويناه في هذا الباب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه " أمره أن يأخذ من قومه صدقاتهم " . فدل ذلك أن ما جعل للمساكين فجائز أن يدفع إلى واحد منهم ، وقد كان
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف رحمه الله ، يقول في
رجل أوصى بثلث ماله لفقراء بني فلان وهم لا يحصون : أنه يجوز للوصي وضع ذلك في فقير واحد منهم . حدثنا بذلك
محمد ، عن
علي ، عن
محمد عنه وكان
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن يخالفه في ذلك ويقول : لا يجزئ وضع ذلك إلا في اثنين فصاعدا من فقراء بني فلان الموصى لهم . حدثنا بذلك
nindex.php?page=showalam&ids=11958محمد بن علي عنه .
ولما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
سلمة بن صخر أن يأخذ صدقات قومه التي ترجع إلى الفقراء ، دل ذلك على أن ما قصد به إلى الفقراء والمساكين ، فإنما هو لله - عز وجل - .
ألا ترى أن الوصية لهم بذلك جائزة ، وإن كانوا لا يحصون ، وأن ذلك ليس كالوصية بالمال لبني فلان الذين لا يحصون ، الوصية بذلك باطل ، وهو خلاف الوصية بالشيء للفقراء من بني فلان ، لأن ذلك يرجع إلى الله - عز وجل - ، فما كان يرجع إلى الله - عز وجل - فجائز أن يوضع في مسكين واحد ، أو في فقير واحد .
ألا ترى أن
محمدا قد قال في
رجل أوصى بثلث ماله لفلان ولفقراء بني فلان : أن الثلث يقسم بين فلان وبين فقراء بني فلان نصفين ، فيكون لفلان نصفه ، ويكون نصفه في فقراء بني فلان ، ولو كان الواجب أن يكون في فقيرين من فقراء بني فلان لوجب أن يقسم الثلث ، بين ذلك الفقيرين وبين فلان المسمى ، على ثلاثة أسهم .
فلما ردوا حكم الوصايا للفقراء إلى الله - عز وجل - ، كان مباحا للذي يتولاه ، وضع
[ ص: 376 ] ذلك فيما يرى من الحاجة إليه وإن كان المحتاج إليه واحدا على ما آثر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
سلمة بن صخر على غيره من سائر الفقراء .