فإن قال قائل : وكيف يجوز أن يجعل تأويل هذه الآية على ما ذكرتم ، ويجعل فرض الصيام قد لحق من لا يطيق الصيام ، وقد روينا فيمن عجز عن الصلاة ، ولم يطقها على حال ، حتى مات أنه ممن قد زال فرضها عنه ؟ قيل له : الصلاة في هذا لا تشبه الصيام ، لأن الصلاة لم يجعل لها بدل سواها فيرجع من عجز عنها إلى ذلك البدل عنها ، والصوم فقد جعل له بدل وهو الإطعام ، فكان من عجز عن الصوم ، فلم يقدر عليه رجع إلى بدله الذي يقدر عليه وهو الإطعام ، وهكذا كان
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف ، ومحمد رحمهم الله يقولون في
الشيخ الكبير العاجز عن الصوم ، لا يرجى له عليه قوة في المستأنف : أنه يطعم عن كل يوم مسكينا نصف صاع من بر أو سويق ، أو دقيق ، أو صاعا من تمر ، أو شعير فيما حدثنا
سليمان ، عن أبيه ، عن
محمد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف ، وعن أبيه ، عن
محمد من رأيه مما ذكرنا عنهم .
وقد خالفهم في ذلك مخالفون ، منهم
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك رحمه الله كما :
922 - حدثنا
يونس ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا أخبره ، أنه بلغه
أن أنسا كبر حتى كان لا يقدر على الصيام ، وكان يفتدي .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : ولا أرى ذلك واجبا على الناس ، وأحب إلي أن يفعله من قوي عليه ، فمن افتدى ، فإنما يطعم كل يوم مدا بمد النبي صلى الله عليه وسلم .
فأما
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، فكان قولهما في ذلك كقول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة . 923 - كما حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12125أبو غسان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15956أبي النضر ، عن
الأشجعي ، قال
سفيان : "
الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام أطعم عن نفسه " .
وكما حكى لنا
nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في مختصره قوله قال : والشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم ، ويقدر على الكفارة يتصدق عن كل يوم بمد من حنطة
[ ص: 424 ] .
وهو القول الذي حكيناه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، والثوري ، ومن ذكرناه معهما ، فأحب القولين اللذين ذكرناهما في هذا المعنى إلينا إذا كانوا جميعا قد أمروا بالإطعام في ذلك إما إيجابا ، وإما استحبابا ، ولم يجعلوا ذلك كالصلاة التي يلحق العجز عنها ، فلم يأمروا مكانها ببدل سواها إيجابا ، ولا استحبابا ، وعاد بما ذكرنا حكم الصيام المعجوز عنه الذي يقدر العاجز عنه إلى ما يحج به غيره عنه .
وقد
nindex.php?page=hadith&LINKID=663181سألت امرأة من خثعم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إن أبي شيخ كبير وقد أدركت فريضة الله - عز وجل - في الحج ، أفيجزئ أن أحج عنه ؟ قال : " حجي عن أبيك " هكذا في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير ، وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ، nindex.php?page=hadith&LINKID=696385أن رجلا من خثعم سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن أبي أدركه الحج وهو شيخ كبير لا يستطيع ركوب الرحل ، والحج عليه مكتوب أفأحج عنه ؟ قال : " نعم ، فاحجج عنه " .
وسنذكر ذلك بأسانيده ، وما فيه سوى هذين الحديثين في موضعه من كتاب المناسك من كتاب أحكام القرآن إن شاء الله تعالى .
فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد خوطب بأن الحج مكتوب على عاجز يؤديه عنه ، فلم ينكر ذلك على من خاطبه به إذا كان من سنته ، صلى الله عليه وسلم ، الحج عن العاجز ، وكذلك الصيام لما كان من السنة الإطعام عن العاجز عنه ، لم يكن الفرض فيه ساقطا عن العاجز عنه إذا كان ، وإن عجز عنه ، قادرا عن البدل منه وهو الإطعام .