أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
واختلفوا في المعتكف يخرج من معتكفه ساعة لغير غائط أو بول ، أو جمعة ، فكان أبو حنيفة ، يقول : قد أفسد اعتكافه .

حدثنا بذلك سليمان ، عن أبيه ، عن محمد ، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة ، وهكذا كان مذهب مالك .

1097 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : قال مالك : " لا يكون المعتكف معتكفا حتى يجتنب ما يجتنب المعتكف من عيادة المريض ، واتباع الجنازة ، والدخول إلى البيوت إلا لحاجة الإنسان ، وأشباه ذلك " .

وكان أبو يوسف فيما حدثنا سليمان ، عن أبيه ، عن محمد ، عنه يقول : " إذا خرج أكثر من نصف يوم فسد اعتكافه ، وإذا خرج أقل من ذلك لم يفسد اعتكافه " [ ص: 480 ] .

1098 - وقد حدثنا يحيى بن عثمان ، قال : حدثنا نعيم ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمارة بن عبد الله بن يسار الجهني ، عن أبيه ، قال : أعطى علي جعدة ثمن خادم ، فسأله هل ابتعت خادما بعد ؟ قال : إني معتكف ، ولولا ذلك لابتعت .

قال : وما كان عليك لو خرجت إلى السوق فابتعت .

قال ابن عيينة : والسوق بباب المسجد .

وكان هذا مما احتج به القائلون بقول أبي يوسف فيما قاله أبو يوسف مما حكيناه عنه وقد يجوز أن يكون علي أراد من جعدة الخروج من معتكفه ، والوقوف بباب المسجد لابتياع الخادم ، ولا يكون بذلك خارجا إلى الطريق وهذا مما لا يمنع أبو حنيفة منه المعتكف .

ولما اختلفوا في إطلاق الخروج للمعتكف إلى عيادة المريض ، وإلى شهود الجنائز ، وفي المنع من ذلك ، وكان الاعتكاف يمنع من الخروج من المساجد لغير شهود الجنائز ، وعيادة المرضى ومما سوى ذلك مما له منه بد ، كان الأولى أن يكون المعتكف ممنوعا من ذلك .

1099 - حدثنا يحيى بن عثمان ، قال : حدثنا نعيم ، قال : حدثنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة ، عن علي ، قال : " أيما رجل اعتكف فلا يرفث ولا يساب ، ويوصي أهله إن كان له إليهم حاجة وهو يمشي أو وهو قائم ، وليشهد الجنازة والجمعة ، ويعود المريض " .

فهذا علي قد أطلق للمعتكف شهود الجنازة ، وعيادة المريض بلا توقيت ، وأطلق له الخروج إلى الجمعة .

وفي ذلك دليل على إطلاقه له الاعتكاف في غير مساجد الجماعات ، وهذا خلاف ما رويناه عنه من حديث الحارث فيما تقدم من هذا الباب ، غير أنه قد يجوز أن يكون الذي أراده في حديث الحارث استحبابه للاعتكاف في مساجد الجماعات على الاعتكاف فيما سواها من المساجد ، لأن من اعتكف فيما سواها من المساجد احتاج إلى الخروج منها إلى مساجد الجماعات ، ففضل بذلك الاعتكاف في مساجد الجماعات على الاعتكاف فيما سواها من المساجد .

1100 - وقد حدثنا يحيى بن عثمان ، قال : حدثنا نعيم ، قال : حدثنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا عبد الوارث ، قال : حدثني ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، أنه كان يقول : " [ ص: 481 ] المعتكف عليه الصوم ، وليس له أن يعود مريضا ، ولا يتبع جنازة " .

فكان أولى القولين عندنا فيما اختلف فيه علي ، وابن عباس ، من هذا ما ذهب إليه ابن عباس للحجة التي ذكرنا في ذلك في هذا الباب .

وقد روينا في حديث عائشة فيما تقدم في كتابنا هذا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يعتكف دخل معتكفه بعد صلاة الصبح ، وفي حديثها هذا أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في العشر الأواخر من شهر رمضان .

فهذا عندنا ، والله أعلم على أن اعتكافه لم يكن يستغرق العشر كلها ، ولكنه كان في بعضها .

التالي السابق


الخدمات العلمية