تأويل قوله عز وجل : ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال ) الآية .
قال الله عز وجل : (
فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) وقد ذكر فيما تقدم منا في كتابنا هذا المراد بالفرض . وأن قوله جل وعلا : فلا رفث فإن المراد به هو الجماع . كقوله في الآية الأخرى : (
أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) أي الجماع .
[ ص: 32 ] وأما قوله جل وعز : ولا فسوق فإن المراد به الخروج من الأعمال التي هي طاعات لله عز وجل إلى الأعمال التي هي معاص . يدخل في ذلك السباب وغيره من الأشياء المحرمة على فاعلها مما كان محرما عليهم قبل الإحرام بالتعبد ، ومما كان حلالا لهم فحرم عليهم بالإحرام كقتل الصيد ، والتطيب ، ولبس الثياب وما أشبه ذلك .
وأما قوله عز وجل (
ولا جدال في الحج ) فإن المراد في ذلك مما قد اختلف فيه ما هو ؟ فقيل : معناه ، أي لا شك في الحج . وقيل : معناه أن تماري صاحبك حتى تغضبه . وقد روى في هذه التأويلات التي ذكرنا عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله ، ما :
1169 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12391إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14797أبو عامر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
خصيف ، عن
مقسم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، قال :
الرفث الجماع ، والفسوق السباب ، والجدال أن تماري صاحبك حتى تغضبه . 1170 - وما قد حدثنا
محمد بن زكرياء ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14906الفريابي ، قال حدثنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14119الحسن بن عبيد الله ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11870أبي الضحى ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في
قوله ( فلا رفث ) قال : الرفث الجماع .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11958أبو جعفر : فكان الذي رويناه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في المراد بالرفث في الآية التي تلونا موافقا لما ذكرنا في التأويل الأول الذي استشهدنا له بقوله عز وجل : (
أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) غير أنه قد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16414وابن الزبير في الرفث قول غير هذا . وذلك أن
أبا شريح محمد بن زكرياء . 1171 - قد حدثنا ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14906الفريابي ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16446ابن طاوس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، في
قوله عز وجل : ( فلا رفث ولا فسوق ) ، قال : الرفث الذي ذكر هاهنا ليس بالرفث الذي ذكر في المكان الآخر ، ولكن تعريض بذكر الجماع .
1172 - وأن
محمد بن خزيمة قد حدثنا ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15698حجاج بن المنهال ، قال حدثنا
حماد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس ، قال :
سمعت nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير يقول : إياكم والنساء ، فإن الإعراب من الرفث . والإعراب : أن تعرض لها بقول لو كنا حلالين اغتسلنا وفعلنا .
[ ص: 33 ] قال : فأخبرت بذلك nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فقال : صدق nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير .
وكان هذا عندنا غير مخالف للقول الأول ، لأن الرفث هو الجماع ، وما دون الجماع مما هو من أسبابه فجائز في اللغة أن يسمى باسمه إذ كان من أسبابه في حرمة الحج ، توكيدا منهما بحرمة الجماع في الحج .
وكان الذي فيه من المراد بالفسوق أنه السباب ، وليس ذلك بمخالف لما ذكرنا من التأويل في الفصل الأول . لأن السباب خروج من الطاعة إلى المعصية ، فذلك فسوق . لأن أصل " فسق " في كلام العرب إنما هو خرج . ومن ذلك قول الله عز وجل : (
إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه ) .
والعرب تقول : فسقت الرطبة ، إذا خرجت من حال إلى حال . وقد سميت الفأرة وغيرها مما أبيح قتله في الحرم والإحرام على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فواسق .
1173 - حدثنا
محمد بن خزيمة ، قال حدثنا
حجاج ، قال حدثنا
حماد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=704609أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : خمس فواسق يقتلن في الحرم والإحرام ؛ الكلب العقور ، والفأرة ، والحديا ، والعقرب ، والغراب .
فكان الكلب العقور يرى كما يرى الكلاب التي لا تعقر ، فيخرج من ذلك إلى العقر ، وكذلك الحديا والغراب يريان كما يرى غيرهما من الطير ، ثم يخرجان عن ذلك إلى الأذى لبني آدم في أبدانهم وأموالهم مما لا يفعله سواهما من الطير . وكذلك الفأرة تخرج عما يرى عليه إلى إحراق البيوت . وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إنما سماها فاسقة لهذا المعنى .
[ ص: 34 ] 1174 - حدثنا
محمد بن حميد بن هشام الرعيني ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16638علي بن معبد ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17171موسى بن أعين ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17347يزيد بن أبي زياد ، عن
يزيد بن أبي نعيم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=679593يقتل المحرم الحية ، والعقرب ، والفأرة الفويسقة .
قال
يزيد : وعد غير هذا فلم أحفظه .
قلت : ولم سميت الفأرة الفويسقة ؟ قال :
استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقد أخذت فأرة فتيلة لتحرق على رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت ، فقام إليها فقتلها ، وأحل قتلها لكل محرم أو حلال . أفلا ترى أن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبا سعيد الخدري قد أخبر في هذا الحديث أنها إنما سميت فويسقة بخروجها إلى ما خرجت إليه من ذلك .
وكان الذي فيه من المراد بالجدال هو أن تماري صاحبك حتى تغضبه . وقد روي هذا القول عن غير واحد من التابعين .
1175 - حدثنا
محمد بن خزيمة ، قال حدثنا
حجاج ، قال حدثنا
حماد ، عن
الحجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح ، أنه قال :
الرفث الجماع . والفسوق المعاصي ، والجدال أن يماري بعضهم بعضا حتى يغضبه . 1176 - حدثنا
محمد بن خزيمة ، قال حدثنا
حجاج ، قال حدثنا
حماد ، عن
جبر بن حبيب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد قال : الجدال في الحج أن يقول بعضهم : الحج اليوم . ويقول بعضهم : الحج غدا . 1177 - حدثنا
محمد بن زكرياء ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14906الفريابي ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12424إسرائيل ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16027أبو يحيى عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد في قوله : ( ولا جدال في الحج ) قال : الجدال أن تماري .
[ ص: 35 ] صاحبك حتى يغضب أو تغضب .
وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد خلاف هذا القول .
1178 - حدثنا
محمد بن زكرياء ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14906الفريابي ، قال حدثنا
ورقاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=16406ابن أبي نجيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد في
قوله عز وجل ( ولا جدال في الحج ) قال : لا شك في الحج .
والقول الأول الذي رويناه عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ومن وافقه عليه من التابعين ، وعمن تقدمه فيه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بتأويل الآية من القول الثاني الذي رويناه عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد في تأويلها . لأن الجدال المعقول في كلام العرب هو مجاراة الكلام والمجاوبة عنه بين الناس ، كما قال عز وجل : (
قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ) .
وكما قال جل وعز : (
الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان ) .
فكان ذلك كله على القول بالألسن والمنازعات بين الناس ، لا على الشك ، فكان تأويل الآية التي تلونا أشبه بهذا المعنى ، لأن الجدال لو كان على الشك لكان ذلك الشك يمنع من الدخول في الحج . لأن الحج لا يدخل فيه إلا المؤمنون الذين لا يرتابون ، ولا يشكون فيه .