أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
وقد اختلف أهل العلم في الظلال للرجال المحرمين على رواحلهم ، فأباح ذلك بعضهم ، وممن أباح ذلك منهم : أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد ، ولم يجعلوا ذلك مما يحظره الإحرام على الرجال المحرمين .

ومنع من ذلك بعضهم وممن منع ذلك منهم : مالك وكثير من أهل المدينة وجعلوا ذلك مما حظره الإحرام على الرجال المحرمين ، ولم يختلفوا جميعا في إباحة الظلال للنساء المحرمات ، وقد روي عن مالك إباحة الظلال للرجل المحرم إذا كان زميله امرأة محرمة ، حدثنا بذلك من قوله عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن زبالة المدني ، قال حدثنا هارون بن موسى الفروي ، عن المغيرة بن عبد الرحمن ، عن مالك ، بما ذكرناه عنه من ذلك .

ولما اختلفوا في ذلك اختلافهم فيه في هذا الباب ، ووجدنا الإحرام لا يحظر على المحرم دخول البيوت ، والقعود فيها ، ولا دخول الأخبية ، ولا القعود فيها ، كان القياس على ذلك أن لا يكون الإحرام أيضا يحظر عليه التظليل عليه فوق راحلته ، وقد وجدنا ظهور الرواحل قد خفف فيها ما لم يخفف فيما سواها ، فجعل للرجل أن يصلي التطوع على راحلته إيماء حيث كان وجهه ، لم يجعل ذلك له وهو على الأرض ، فلما كان ظهور الرواحل فيما ذكرنا مخففا فيه ما لم يخفف فيما سواه ، ورأينا الظلال على ما سواه مباحا للمحرم ، كان الظلال عليه أولى بالإباحة ، فثبت بذلك أن الظلال على الراحلة مباح للمحرم ، وأنه مما لم يحظر الإحرام عليه .

فإن قال قائل : فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على فضل الإضحاء وترك التظليل للمحرم ، وذكر في ذلك ما :

1214 - حدثنا الربيع بن سليمان الجيزي ، قال حدثنا مطرف ، بن عبد الله بن عمر العمري عن عاصم بن عمر ، عن عاصم بن عبيد الله ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن جابر بن عبد الله ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من محرم ضحى للشمس حتى تغرب إلا غربت بذنوبه كيوم ولدته أمه .

فكان من الحجة لأهل القول الأول على المحتجين عليهم بهذا الحديث ، أن هذا .

[ ص: 49 ] الحديث ليس مما تقوم بمثله الحجة لما يتكلم أهل العلم بالأسانيد في رواية من دون عبد الله بن عامر وفوق مطرف ، ثم لو ثبت لما كان فيه ما يدل على ما قالوا ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل لنا في هذا الحديث : ما من محرم يضحى للشمس فلما كان الإضحاء للشمس على غير الراحلة ليس هو التجرد للشمس على الراحلة ليس هو ترك الاستظلال عليها بما يستظل به على مثلها .

فقد حظر الله عز وجل في الإحرام على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس الثياب التي قد مسها الورس والزعفران .

1215 - فحدثنا يزيد بن سنان ، قال حدثنا أبو داود الطيالسي ، وأبو صالح ، كاتب الليث ، قالا : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تلبسوا ثوبا مسه ورس أو زعفران ، يعني في الإحرام .

1216 - وحدثنا يونس ، قال حدثنا ابن وهب ، أن مالكا ، حدثه ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثله .

1217 - وحدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج ، قال حدثنا حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .

1218 - وحدثنا علي بن شيبة ، قال حدثنا أبو نعيم ، قال حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية