أحكام القرآن الكريم للطحاوي

الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

صفحة جزء
واختلفوا فيمن لم يصم الثلاثة الأيام التي ذكرنا حتى مضى يوم عرفة ، فكان بعضهم يقول : يصوم أيام التشريق وممن قال ذلك منهم مالك بن أنس .

وكان بعضهم يقول : لا يصوم أيام التشريق ، وقد وجب عليه الهدي ، لا بد له منه ، إذ كان الصيام الذي أوجبه الله عز وجل عليه ، والوقت الذي أمره بصومه فيه ، وهو [ ص: 239 ] الحج ، قد فات ، فلم يجز له أن يصومها في غير الحج وممن قال ذلك منهم أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، وقالوا : لا يجوز له أيضا أن يصوم أيام التشريق عنها ، وإن كانت من أيام الحج ، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامها ، كما لم يجزه أن يصوم يوم النحر عن ذلك لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامه .

وقد ذكرنا الآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن صوم يوم النحر وأيام التشريق في كتاب الصيام من كتبنا هذه ، فأغنانا ذلك عن إعادته هاهنا ، غير أنا قد وجدنا عن عمر بن الخطاب ، وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ما يوافق ما قد حكيناه عن أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد فيه ، مما لم نكن ذكرناه في كتاب الصيام من كتبنا هذه ، وهو أن محمد بن خزيمة .

1653 - حدثنا ، قال حدثنا حجاج بن منهال ، قال حدثنا حماد بن سلمة ، قال حدثنا حجاج ، عن عمرو بن شعيب ، عن سعيد بن المسيب ، أن رجلا أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم النحر ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إني تمتعت فلم أهد ، ولم أصم في العشر ؟ فقال : سل في قومك ، ثم قال : يا معيقيب ، أعطه شاة .

فهذا عمر بن الخطاب لم يأمر المتمتع الذي لم يصم في العشر ، ولم يجد الهدي ، أن يصوم أيام التشريق ، ولم يجعل له بدا من الهدي .


1654 - وأن يزيد بن سنان ، حدثنا ، قال حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، قال حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج ) آخرها يوم عرفة ( وسبعة إذا رجعتم ) قال : فذكرت ذلك لسعيد بن جبير ، فقال : هذا قول ابن عباس ، وعقد بيده ثلاثين .

فهذا ابن عباس قد جعل آخر الوقت الذي يصام فيه الثلاثة الأيام في الحج للمتمتع يوم عرفة .

[ ص: 240 ] ولما اختلفوا في ذلك ، وكان قوله عز وجل : ( فصيام ثلاثة أيام في الحج ) ، قد جعل له وقتا ، وهو الحج ، كما جعل للصوم في الظهار ، وفي القتل الخطإ ، وصفه ، وهي التتابع ، فكما كان ذلك الصوم الموصوف بالتتابع لا يجزئ إلا متتابعا ، فكذلك الصوم الذي جعل في الحج لا يجزئ في غير الحج .

وأما قوله عز وجل : ( وسبعة إذا رجعتم ) ، فجائز للمتمتعين أن يصوموها بمكة ، وفي طرقهم إلى بلدانهم ، وفي بلدانهم التي فيها أهلوهم متتابعة ومتفرقة ، لا نعلم في ذلك اختلافا بين أهل العلم .

فعقلنا بذلك أن المراد بقوله عز وجل : ( وسبعة إذا رجعتم ) ، أي إذا رجعتم إلى ما كنتم عليه قبل الإحرام من الإحلال .

وأما قوله عز وجل : ( تلك عشرة كاملة ) ، فالمراد بذلك عند أهل العلم جميعا هو كما لها عن الهدي .

التالي السابق


الخدمات العلمية