تأويل قوله تعالى : ( لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) الآية .
قال الله عز وجل : (
يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم ) .
فكان العمد المذكور في هذه الآية من المتشابه المختلف في المراد به ما هو .
فذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن الذين عليهم الجزاء بإصابة الصيد من المحرمين في هذه الآية هم المتعمدون لقتل الصيد ، لا من قتله منهم غير متعمد لقتله ، واحتجوا في ذلك بظاهر الآية ، وقالوا : قد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما يدل على أن مذهبه كان في تأويلها هذا المذهب ، وذكروا في ذلك ما :
1716 - قد حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13490عيسى بن إبراهيم الغافقي ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16490عبد الملك بن عمير ، سمع
قبيصة بن جابر ، يقول :
خرجنا حجاجا ، فكثر مراء القوم ، أيهما أسرع معنا : الفرس أو الظبي ، فسنح لنا ظبي ، والسنوح ، هكذا قال سفيان ، يمينا وشمالا ، فرماه رجل منا فما أخطأ خششاءه ، فركب ردغه فمات ، فأسقط في يديه ، فأتى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه وهو بمنى ، فجلس بين يديه ، فاقتص عليه القصص ، فقال : كيف أصبته أخطأ أم عمدا ؟ . قال : لقد تعمدت رميه ، وما أردت قتله قال : لقد شركت الخطأ والعمد ثم أجنح إلى رجل إلى جنبه كأن وجهه قلب ، فشاوره ، ثم أقبل علينا ، ثم قال للرجل : خذ شاة من الغنم فأهرق دمها ، وتصدق بلحمها ، واسق إهابها سقاء .
فلما قمنا من عنده قلت : أيها المستفتي
nindex.php?page=showalam&ids=2ابن الخطاب ، إن فتيا
nindex.php?page=showalam&ids=2ابن الخطاب لن تغني عنك من الله عز وجل شيئا ، فانحر ناقتك ، وعظم شعائر الله عز وجل ، فوالله ما علم
nindex.php?page=showalam&ids=2ابن الخطاب حتى سأل الرجل الذي إلى جانبه فنماها ذو العينين إلى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه ، فما
[ ص: 273 ] علمت
بعمر إلا قد أقبل بالدرة ، فجعل يضرب على صاحبي صفوقا صفوقا ، ثم يقول : قاتلك الله ، تعدي الفتيا ، وتقتل الحرام ، وتقول : والله ما علم
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر حتى سأل الذي إلى جنبه ، أما تقرأ : (
يحكم به ذوا عدل منكم ) ؟ ثم أقبل
علي ، فأخذ بجميع ثيابي ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، لا أحل لك شيئا حرمه الله عز وجل عليك فتركني ، ثم قال : إني أراك رجلا فصيح اللسان ، فسيح الصدر ، وقد يكون في العشرة الأخلاق تسعة صالحة وخلق سيئ ، فيفسد التسعة الصالحة الخلق السيئ ، فاتق عثرات الشباب .
قالوا : أفلا ترى أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر قد سأل : الرجل أعمدا قتلته أم خطأ ؟ ولا يكون ذلك إلا لافتراق حكم الخطإ والعمد عنده رضي الله عنه في ذلك .
وخالفهم في ذلك أكثر أهل العلم ، فأوجبوا
الجزاء على كل من أصاب الصيد من المحرمين على الخطإ والعمد جميعا ، وذهبوا في تأويل قوله عز وجل : (
ومن قتله منكم متعمدا ) إلى أن ذلك مردود إلى قوله عز وجل : (
ومن عاد فينتقم الله منه ) .
وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى في الحديث الذي ذكرنا عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه ، وفي سؤال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر الرجل الذي أصاب الصيد : أعمدا قتلته أم خطأ ؟ أنه قد يجوز أن يكون أراد ذلك ليعلمه أنه إن كان قتله عمدا ، ثم قتل بعده صيدا عمدا انتقم الله عز وجل منه ، فأراد
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر تحذيره من ذلك مع أنه قد روي هذا الحديث عن
nindex.php?page=showalam&ids=16490عبد الملك بن عمير سعيه ، فخالف
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة في الألفاظ التي رواه عليها .
1717 - كما حدثنا
محمد بن خزيمة ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15698حجاج بن منهال ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ، قال : أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=16490عبد الملك بن عمير ، قال : سمعت
قبيصة بن جابر ، قال :
حججت أنا وصاحب لي ، فرأينا ظبيا قال : فقال أو قلت لصاحبي : أتراك تبلغه ؟ قال : فأخذ صاحبي حجرا فرماه ، فأصاب خشاءه ، فقتله ، فأتى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه ، فذكر ذلك له ، فقال له nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : أعمدا قتلته أم خطأ ؟ فقال : ما أدري فقال : اعمد إلى شاة فاذبحها ، وتصدق بلحمها ، واجعل إهابها سقاء ، أكذلك يا فلان ؟ لرجل إلى جانبه ؟
[ ص: 274 ] قال : فقلت لصاحبي : والله ما درى أمير المؤمنين حتى سأل الذي إلى جنبه ، انحر ناقتك قال : فعمد إلى ناقته فنحرها ، فبلغ ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، قال : فجاء فجعل يضربه ، وقال : أتقتل الصيد وتعدي الفتيا .
فهذا
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا الحديث قد سأله : أعمدا قتلته أم خطأ ؟ فقال : ما أدري فحكم عليه فدل ذلك على أنه إنما سأله عن العمد والخطإ ليقف به على وجوب الانتقام في العود فيحذره منه لو كان لا يرى عليه الجزاء في قتله الصيد حتى يكون متعمدا لذلك ، إذن لما أوجب عليه الجزاء إذا لم يدر أخطأ قتله أم عمدا ، مع أن الأشبه بمذهب
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه في ذلك هو هذا المذهب ، لا المذهب الآخر ، لما قد روي عنه في غير هذا الحديث .
1718 - كما حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12391إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14797أبو عامر العقدي ؛ وكما حدثنا
محمد بن خزيمة ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15698حجاج بن منهال ، قالا : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ، قال : أخبرني
الحكم ، عن
إبراهيم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13705الأسود ،
أن كعبا ، قال لعمر : أن قوما استفتوني في محرم قتل جرادة ، فأفتيتهم أن فيها درهما فقال : إنكم يا أهل حمص كثيرة دراهمكم ، تمرة خير من جرادة .
أفلا ترى أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر لم ينكر على
كعب تركه سؤال القوم عن قتل ذلك المحرم لتلك الجرادة هل كان عمدا أو خطأ ، لاستواء الحكم في ذلك عنده ، ولو كان الحكم عنده في ذلك مختلفا ، إذا لأنكر عليه تركه سؤالهم عن ذلك .
1719 - وكما حدثنا
محمد بن خزيمة ، قال حدثنا
حجاج ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ، قال : حدثني
مخارق ، قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب ، قال :
اعتمرت أنا وصاحب لي ، فمر بضب ، فأوطأه ، فأتى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، فسأله ، فقال : يا زيد بن جابر ، ما تقول فيها ؟ قال : أنت أعلم قال : إن الله عز وجل يقول : ( يحكم به ذوا عدل منكم ) قال : فيه جدي قد جمع
[ ص: 275 ] الماء والشجر قال : صدقت .
أفلا ترى أن الأغلب في ذلك الوطء إنما هو على الخطإ لا على العمد ، وقد حكم فيه
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بالجزاء .
1720 - وكما حدثنا
روح بن الفرج ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17406يوسف بن عدي ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11820أبو الأحوص ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16052سماك بن حرب ، عن
النعمان بن حميد ، قال :
سئل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن الأرنب يصيبها المحرم ، قال : فيه حلان من الغنم : جدي أو عناق .
أفلا (ترى) أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر لم يوقف السائل عن ذلك القتل عمدا أكان أو خطأ ، وأوجب عليه ما أوجب ، ولا يكون ذلك إلا وحكم الخطإ والعمد عنده في ذلك واحد .
وقد روي عن غير
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على هذا المعنى أيضا .
1721 - كما حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11808عبد الكريم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12077أبي عبيدة ، أن رجلا ألقى جوالقا على يربوع ، فحكم فيه nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله جفرا أو جفرة . 1722 - وكما حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12391إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14724أبو داود الطيالسي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة بن الحجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17391يعلى بن عطاء ، قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16710عمرو بن عاصم ، يقول :
كنت عند nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص ، فسئل عن محرم أصاب أرنبا ، فقال لي : قل فيها يا عمرو قال : قل أنت أعلم مني قال : إن الله عز وجل يقول : ( يحكم به ذوا عدل منكم ) . قال :
[ ص: 276 ] قلت : فيها ولد شاة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو : فيها ولد شاة .
1723 - وكما حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11939ابن أبي داود ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16914محمد بن الصباح ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16100شريك بن عبد الله ، عن
الركين بن الربيع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة ، قال :
سمعت nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، وسأله رجل ، فقال : إني قتلت دباءة وأنا محرم فقال : اذبح شويهة .
قال : فتعجبت من قوله ، فذكرته nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس ، فقال : طعام في كفك خير من دباءة .
فهذا
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وعبد الله بن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=13وعبد الله بن عمرو ، كلهم قد أجاب فيما يصيبه المحرم بوجوب الجزاء ، ولم يسأل أحد منهم عن عمد في ذلك ، ولا عن خطأ ، فلا يكون ذلك إلا لاستواء الحكم كان عندهم في ذلك ثم السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على هذا المعنى أيضا .
1724 - قال حدثنا
يزيد بن سفيان ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17282وهب بن جرير بن حازم ، قال حدثنا أبي ، قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12186عبد الله بن عبيد بن عمير ، يحدث عن
عبد الرحمن بن أبي عمار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله ،
أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الضبع ، فقال : هي صيد ، وجعل فيها إذا أصابها المحرم كبشا ، . 1725 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17362يزيد بن سنان ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15679حبان بن هلال ،
nindex.php?page=showalam&ids=17233وهدبة بن خالد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16131وشيبان بن فروخ ، قالوا : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15627جرير بن حازم ، ثم ذكر بإسناده مثله .
1726 - حدثنا
يزيد ، قال حدثنا
حبان ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15712حسان بن إبراهيم ، قال حدثنا
إبراهيم الصائغ ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء ، عن
جابر ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=710662أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الضبع ، فقال : هي صيد ، وفيها جزاء كبش مسن ، وتؤكل .
[ ص: 277 ] فلما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المحرم الجزاء في الضبع إذا أصابها ، ولم يذكر في ذلك عمدا ولا خطأ ، ثبت بذلك أن إصابته إياها عمدا أو خطأ سواء في وجوب الجزاء عليه ، ولو كانا مختلفين لذكر العمد في ذلك .
والقياس أيضا يدل على هذا المعنى ، لأنا رأينا الله عز وجل قد حرم على المحرم أشياء منها الجماع ، وقتل الصيد ، مع سائر ما حرم عليه سواهما ، فكان من جامع في إحرامه عامدا أو ساهيا في وجوب الدم وفساد الحج عليه سواء ، فلما كان الجماع في ذلك كما ذكرنا ، كان كذلك قتل الصيد ، يستوي فيه العمد والخطأ جميعا ، كما استويا في الجماع وللخطأ بالكفارة أولى من العمد بها ، لأن الله عز وجل قد جعل في كتابه على من قتل مؤمنا خطأ كفارة ذكرها ، ولم يوجب مثلها على قاتله عمدا في ذكره : (
ومن يقتل مؤمنا متعمدا ) ، فلما كان العمد في الصيد موجبا للكفارة على المحرمين ، كان الخطأ بينهم للكفارة في ذلك أوجب وهذا الذي ذكرنا من وجوب الجزاء على المحرمين في الصيد إذا قتلوه عمدا أو خطأ ، قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك بن أنس ،
وسفيان ، nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر ،
nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف ،
nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد بن الحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790ومحمد بن إدريس الشافعي ، وأكثر أهل العلم ، والله نسأله التوفيق .