تأويل قوله تعالى : ( ومن دخله كان آمنا ) الآية .
قال الله جل ثناؤه : (
إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ) فكانت الهاء التي في دخله عائدة على البيت وكان المراد بالبيت في هذا هو الحرم كله ، لا اختلاف بين أهل العلم في ذلك علمناه وكان ذلك عندهم كقوله عز وجل : (
إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) فكان الخطاب مقصودا به إلى المسجد الحرام والمراد به الحرم كله ، لا اختلاف بين أهل العلم في ذلك علمناه وقد ذكرنا ذلك وما قاله أهل العلم فيه ، وما قد روي فيه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعن غيرهم من تابعيهم في كتاب الطهارات من كتبنا هذه .
وكان معنى هذه الآية عندنا - والله أعلم - أنه من أصاب حدا لله عز وجل أو لعباده ، ثم دخل الحرم أمن من ذلك الحد ، فلم يقم عليه ما كان مقيما في الحرم ، أن يخرج من الحرم ، فيقام عليه ذلك الحد في الحل وقد روي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس في تأويل هذه الآية كما :
1773 - قد حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15551أبو بكرة بكار بن قتيبة ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16862مؤمل بن إسماعيل ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17152منصور ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، قال :
من أصاب حدا في [ ص: 311 ] الحرم أقيم عليه ، وإن أصابه خارج الحرم ، ثم دخل الحرم ، لم يكلم ، ولم يجالس ، ولم يبايع حتى يخرج من الحرم ، فيقام عليه الحد . 1774 - وكما حدثنا
محمد بن خزيمة ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15698حجاج بن منهال ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، قال :
إذا أحدث الرجل ، ثم دخل الحرم ، لم يؤو ، ولم يجالس ، ولم يبايع ، ولم يطعم ، ولم يسق حتى يخرج من الحرم ، . 1775 - وكما حدثنا
محمد بن خزيمة ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15698حجاج بن منهال ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16571عطاء بن السائب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، فذكر مثله سواء .
1776 - وكما حدثنا
صالح بن عبد الرحمن بن
عمرو بن الحارث الأنصاري ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ، قال حدثنا
هشيم ، قال أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036عبد الملك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
فيمن أحدث حدثا في غير الحرم ، ثم جاء إلى الحرم ، لم يكلم ، ولم يبايع ، ولم يؤو حتى يخرج من الحرم ، فإذا خرج من الحرم أخذ ، فأقيم عليه ما عليه ، وما أحدث في الحرم أقيم عليه ما أحدث فيه من شيء . 1777 - وكما حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14976يوسف بن يزيد ، قال حدثنا
حجاج بن إبراهيم الأزرق ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16753عيسى بن يونس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036عبد الملك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء ، قال :
سعيد مولى معاوية ، وأصحاب له
بالطائف متحصنين في قلعة ، فاستنزلوا منها ، فانطلق بهم إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16414عبد الله بن الزبير وهو
بمكة ، فأرسل إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، فقال :
ما ترى في هؤلاء النفر ؟ قال : أرى أن تخلي سبيلهم ، فإنهم قد أمنوا إذ أدخلتهم الحرم فقال : لا ، نخرجهم من الحرم ثم نصلبهم ؟ قال : فهلا قبل أن تدخلهم ؟ .
فأخرجهم
nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير ، فصلبهم ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : لو لقيت قاتل أبي في الحرم ما
[ ص: 312 ] هجته حتى يخرج منه .
فهذا
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس قد ذهب في تأويل قوله جل وعز : (
ومن دخله كان آمنا ) ، إلى ما حكيناه عنه في ذلك ، وجعل ذلك على الحرم كله ، لا على البيت خاصة ، وخالف بين المصيب للذنوب الموجب الحد عليه في الحرم ، وبين المصيب له في غير الحرم اللاجئ إلى الحرم بعد ذلك وكان الداخل في الحرم إذا دخله خائفا مما كان يخاف ، لأنه إنما يأمن الخائف ومن دخله قبل إصابته الذنب ، ثم أصاب فيه الذنب ، فقد دخله آمنا غير خائف ، فلم يؤمنه دخوله الحرم من شيء كان منه خائفا قبل دخوله إياه فإذا أصاب فيه الذنب بعد ذلك كان بإصابته ذلك الذنب فيه منتهكا لحرمته ، ومستحلا لها وكان لغيره من الآمنين في غير الحرم إذا أصابوا ذنبا حيث هم مما سوى الحرم .
وقد : تابعه
nindex.php?page=showalam&ids=16414عبد الله بن الزبير في تأويل هذه الآية حين لم يقتل سعيدا ولا أصابه في الحرم حتى أخرجهم منه إلى الحل فصلبهم فيه وقد وافقه على ذلك أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر كما :
1778 - قد حدثنا
أحمد بن داود بن موسى ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13941موسى بن إسماعيل ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16496عبد الواحد بن زياد ، قال حدثنا
الحجاج ، قال : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء ،
أن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، قالا في قوله عز وجل : ( ومن دخله كان آمنا ) ، قالا : الرجل يصيب الحد ثم يدخله فلا يبايع ، ولا يجالس ، ولا يؤوى ، ولا يكلم حتى يخرج منه ، فيقنع فيؤخذ فيقام عليه الحد . 1779 - وكما حدثنا
صالح بن عبد الرحمن ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ، قال حدثنا
هشيم ، قال حدثنا
الحجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، قال :
لو وجدت قاتل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر في الحرم ما هجته .
وهكذا كان
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف ، nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر ،
ومحمد يقولونه في ذلك ، غير أنهم
[ ص: 313 ] كانوا يجعلون ذلك أمانا في كل حد يأتي على النفس من حدود الله عز وجل ، ومن حدود عباده مثل أن يزني وهو محصن ، فيجب عليه الرجم ، فيلجأ إلى الحرم فيدخله ، ومثل الذي يرتد عن الإسلام ، فيجب عليه القتل ، فيلجأ إلى الحرم فيدخله ، ومثل الذي يقطع الطريق على المسلمين ، فيجب عليه القتل ، فيلجأ إلى الحرم فيدخله ، ومثل أن يقتل رجلا عمدا ، فيجب عليه القصاص في ذلك ، فيلجأ إلى الحرم فيدخله ، وما أشبه ذلك من الوجوه التي لله عز وجل ، أو لعباده مما يجب بها سفك الدماء ولا يجعلون ذلك على الحدود التي لا تأتي على النفس من حدود الله عز وجل كالقطع في السرقات ، ولا من الحقوق التي للعباد مثل قطع الأيدي ، أو ما سواها من الأعضاء قودا ، ولا مثل التعزير بالأقوال الموجبة بالعقوبات ، ولا بما يشبه كل واحد من هذين المعنيين من حقوق الله عز وجل ، ومن حقوق عباده كما حدثنا
محمد بن العباس ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16638علي بن معبد ، قال أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، فذكر هذه المعاني التي ذكرناها كلها بأن كان قد زدنا في ألفاظها ما كشفنا به وجوهها مما لم يخرج به من معانيها ولم يحك في ذلك خلافا بينهم وقد ذكر لنا
محمد بن العباس ، عن
يحيى بن سليمان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14111الحسن بن زياد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر ، مثل ذلك ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف في هذه الرواية أنه كان يقول في ذلك : إن
الحرم لا يجير ظالما ، وإن من لجأ إلى الحرم أقيم عليه حده الذي كان وجب عليه قبل أن يلجأ إلى الحرم وكان قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر ،
ومحمد في ذلك أولى عندنا من قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف الذي حكاه عنه
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ، وإن كان
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن قد خالفه في ذلك ، فروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف خلافه لما قد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16414وابن الزبير في ذلك على ما قد ذكرناه عنهم في هذا الباب ، ولأنا لم نجد عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تأويل هذه الآية التي تلونا غير التأويل الذي ذكرناه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16414وابن الزبير في ذلك .