ولما اختلف أهل العلم في اللعان بالحمل قبل وضع أمه إياه على ما ذكرنا ، ولم نجد في هذه الأحاديث المروية في اللعان ما يدل على ما يقول أحدهم ، التمسنا حكم ذلك من طريق النظر والاستشهاد بالأصول المتفق عليها ، فنظرنا في ذلك ، فوجدنا ما يظهر من المرأة ، مما يسع من وقف على ذلك منها أن يطلق القول عليها أنها حامل ، وما يسعها به إطلاق ذلك القول على نفسها ، قد يوقف بعد ذلك على أن ذلك الذي يرى بها ، وأطلق به عليها ذكر الحمل ، قد ينفس فلا يكون حملا في الحقيقة وكان أولى الأشياء ما في هذا أن لا يوجب
[ ص: 422 ] به لعانا نحرم به فرجا على زوج قد كان حلالا ، ونحل به فرجا لغيره ممن قد كان عليه حراما غير أن الذين يذهبون إلى
اللعان بالحمل ، ذكروا أنهم قد وجدوا ما يوجب ما قالوا في كتاب الله عز وجل ، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما ما ذكروا أنهم وجدوه في كتاب الله عز وجل فقول الله عز وجل في المطلقات : (
وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ) .
وأما ما ذكروا أنهم وجدوه في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فما :
1982 - حدثنا
علي بن شيبة ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17342يحيى بن يحيى النيسابوري ، قال حدثنا
هشيم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15804خالد الحذاء ، عن
القاسم بن ربيعة بن جوشن ، عن
عقبة بن أوس السدوسي ، عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=695688أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم فتح مكة ، فقال في خطبته : أن لا إن قتيل خطإ العمد ، بالسوط والعصى والحجر ، دية مغلظة ، مائة من الإبل ، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها . 1983 - حدثنا
إسماعيل بن حمدويه ، قال أخبرنا
عارم ، nindex.php?page=showalam&ids=17072ومسدد بن مسرهد ، ويحيى بن عبد الحميد ، قالوا : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15804خالد الحذاء ، عن
القاسم بن ربيعة ، عن
عقبة ، أو
يعقوب السدوسي عن
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=675864عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه خطب يوم الفتح ، فقال : لا إله إلا الله وحده ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ما كان من دم أو مال أو مأثرة في الجاهلية فهي تحت قدمي هذه إلا ما كان من سقاية الحاج وسدانة البيت أن لا إن دية الخطإ شبه العمد ، ما كان بالسوط والعصى ، مائة من الإبل ، أربعون منها في بطونها أولادها .
غير أن
مسددا والحمائي لم يشكا ، وقالا في حديثهما : عن
القاسم ، عن
عقبة ، عن
عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
1984 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، قال حدثنا
سفيان ، قال حدثنا
[ ص: 423 ] علي بن يزيد بن جدعان ، عن
القاسم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=685200أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على درجة الكعبة يوم الفتح ، فقال : الحمد لله الذي صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ألا إن قتيل العمد الخطإ بالسوط والعصى ففيه مائة من الإبل مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها أن لا إن كل مأثرة ودم وما كان في الجاهلية فهو تحت قدمي هاتين إلا ما كان من سقاية الحاج وسدانة البيت فإني أمضيهما لأهلهما كما كانتا .
فكان من الحجة على أهل هذا القول لأهل القول الآخر ، أن قول الله عز وجل : (
وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ) ، إنما ذلك عند الذين لا يلاعنون بالحمل على نهاية النفقة على المطلقات ، وعلى خروجهن من المعنى الذي كان ينفق عليهن من أجله ، وهي العدة التي انقضاؤها وضع الحمل المذكور في هذه الآية أن لا ترى أنهم يقولون : إن المطلقة التي قد أتى عليها من السن ما قد أحاط العلم معه أنها لا تحمل ، أن لها النفقة على زوجها المطلق لها حتى تخرج من عدتها ، وأن النفقة عندهم إنما هي لاعتدادها من زوجها ، لا بحمل بها منه ، وأنهم كانوا يعتبرون ذلك بأن يقولوا : النفقة إن كانت على الحامل من أجل الحمل ، لأنها توصل الغذاء إليه ، فيجب على أبيه ، كما تجب له النفقة عليه بعد انفصاله من أمه بالأسباب التي يغذى بها ، منها الرضاع إذا كان غذاؤه الرضاع ، ومنها سوى ذلك مما يغذى به بعد خروجه من حكم الرضاع لكان يعتبر ، ومن الحمل إلى ذلك وعناؤه عنه كما يعتبر ذلك في المولود أن لا ترى أن مولودا لو كان له مال قد ورثه من أخ لأمه توفي ، أنه لا يجب على أبيه الإنفاق عليه ، وأنه لو كان أنفق عليه بقضاء القاضي ، ولا يعلم بوجوب ذلك المال له من الجهة التي ذكرنا ، ثم علم به ، أن القاضي يعيده في المال الذي وجب لأبيه بما أنفقه بأمره ، وأن الحمل الذي ذكرنا ، ثم علم بعد قضاء القاضي بالنفقة على أبيه لأمه المطلقة المعتدة وجوب المال له من الجهة التي ذكرنا ، أنه
[ ص: 424 ] لا يقضى لأبيه بالرجوع فيما كان وجب الحمل من ذلك فعقلوا بذلك أن النفقة على المعتدة المطلقة إنما هي نفقة لذاتها ، حاملا كانت أو غير حامل ، وإن معنى قوله : (
وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ) ، إنما ذلك على إعلامهم السبب الذي به تنقطع النفقة التي كانت عليهم للزوجات المطلقات ، وذلك مما يعلمونه علم حقيقة ، لأن المرأة إذا وضعت علم بعد وضعها أنها كانت قبل ذلك حاملا ، فأتى دلالة في هذا لمن لاعن بينها وبين زوجها القاذف لها بالحمل الذي زعم أنه ليس منه فهذه حجة في دفع ما احتج به عليهم مخالفهم ، ويعودون أيضا سائلين لمخالفيهم عن امرأة قال لها رجل لا نكاح بينه وبينها : أنت حامل بولد من غير زوجك فلان ، هل لها عليه حد لقذفه إياها ؟ أو هل لحملها عليه حد لنفيه نسبه عن أبيه كما يكون له في ذلك لو نفى نسبه عن أبيه بعد انفصاله من أمه ؟
فإن قالوا : لا حد ، وفرقوا بين نفيه إياه قبل انفصاله عن أمه ، وبين نفيه من أبيه بعد انفصاله ، إذ كانت أمه قد يجوز أن يتبين منها بعد ذلك أنها غير حامل ، فيكون نفيه لحملها الذي ذكر أنه بها كلا نفي ، لزمهم أن يقولوا كذلك في نفي الزوج الحمل الذي ذكر أن امرأته حامل به ، وأن لا يجعلوا في ذلك لعانا كما لا يجعلون على القريب الأجنبي فيه حدا .
فإن قالوا : يقيم في ذلك الحد للمرأة المقذوفة على القاذف لها النافي لحملها من زوجها ، لأنه في نفيه حملها قاذف لها في نفسها ، ولا يحد نافي حملها في نفي الحمل ، لزمهم أن يقولوا في الزوجة إذا نفى زوجها الذي ذكر أنه نفى عن نفسه كذلك ، وأن يلاعنها بقذفه إياها ، وأن لا لعان بينه وبينها في نفيه حملها عن نفسه .