وأما الحجة لهم عليهم فيما ذكروا أنه يلزمهم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدية المغلظة ، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب ذلك على عواقل القائلين ، إذ كان العواقل يصلون إلى ذلك ولسعة إطلاق القول على ما ظاهره الحمل ، أنه كذلك ، وإن كان لا حقيقة عندهم من ذلك ، وإن
[ ص: 425 ] كان قد يجوز في المستأنف أن يظهر لهم من انتفاء الحمل عمن كان ظاهره عندهم الحمل وعدم الحمل منه في وقته ذلك ، لأن للرجل أن يقول : أمتي هذه حامل ، ويسعه أن يبيعها على أنها كذلك ليبرأ من عيبها بحملها ، ولا يكون إثما في إطلاق القول أنها حامل ، وإن كان قد يجوز أن تكون في الحقيقة بخلاف ذلك ، لأن هذا وما أشبهه إنما يعتد الخلق فيه بظاهره ، لا بما سواه ، أن لا ترى أن المرأة إذا طلقها زوجها ، وتبين لها من نفسها ما يدلها أن بها حملا منه ، أن لها أن تطالبه بالإنفاق عليها ، وأنها إن رأت الدم في أوقات أقرائها التي كانت ترى فيها الدم ، أن لا يلتفت إلى ذلك ، وأن لا يجعل حكم ذلك الدم حكم دم الحيض ، وأن لا تترك له الصلاة والصيام في قول الذين يزعمون أن الحامل لا تحيض ، وأنها لو علمت بعد ذلك أن لا حمل بها لرجعت في نفسها إلى الاعتداد بالدماء التي كانت دأبها في أيام أقرائها ، وإلى رد ما قبضته من زوجها المطلق لها من النفقة مما لم يكن يوجبه لها عليه الاعتداد بالأقراء ، وإلى قضاء ما صامته في شهر رمضان إن كان مر عليها في أيام أقرائها فلما كانت هذه الأشياء يستعمل فيها حكم الظاهر ، وإن كان الأمر في الحقيقة بخلاف ذلك ، كان ما أوجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على العواقل من الإبل الحوامل ، هو ما يرجع فيه إلى أقوال العواقل فإذا أحضروا الإبل فقالوا : هذه خلفات ، ولم نعلم منها خلاف ذلك ، كان القول قولهم ، ولم يكلفوا خلاف ذلك ومثل هذا ما يجري بين الناس في معاملاتهم ، وما يشترطونه في بياعاتهم أن لا ترى أن رجلا لو باع رجلا هذا العبد على أنه صقلي ، أو على أنه رومي ، ثم ادعى المشتري أنه من خلاف الجنس الذي اشترطه البائع أن ذلك غير مقبول منه ، وأن القول قول البائع ، إذ كان لم يظهر في العبد خلاف ما قال ، وأنه لو علم بعد ذلك أنه من غير الجنس المشترط لكان للمشتري فسخ البيع أو إمضاؤه بلا شرط وكذلك الخلفات المرجوع فيها إلى أقوال العواقل إذا ادعى أولياء المقتولين أنها غير خلفات لم يقبل في ذلك دعواهم ، إذ كان لم يعلم منهن غير ما قالت العواقل ، وأنه لو علم منهن بعد ذلك إنهن غير خلفات كان لأولياء المقتولين ردهن على العواقل ومطالبتهم بخلفات مكانهن وهذا خلاف اللعان الذي لو أمضي في نفي الحمل ، ثم علم أن لا حمل مما قد ذكرنا ، ولو أن هذا الحمل وضعته أمه قبل قذف زوجها إياها ، ثم قذفها به ونفاه عن نفسه ، فإنه يلاعن .
[ ص: 426 ] بينها وبينه عليه ، وينتفي بذلك اللعان عن زوجها ، ويلحق بأمه ، ويكون كمن لا أب له في جميع أحكامه وهذا قول أهل العلم جميعا ، لا نعلم اختلافا من لدن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا غير شاذ شذ في ذلك ، فخرج غير هذا القول ، وزعم أن الولد لا ينتفي من أبيه باللعان ، واحتج في ذلك فيما ذكر بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=673858الولد للفراش وللعاهر الحجر ، وزعم أن اللعان في هذا كاللعان بالقول خاصة بلا ولد .
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا خلاف ما قال .
1985 - حدثنا
يونس ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا ، أخبره ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=673842أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين ، وألزم الولد أمه . 1986 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14976يوسف بن يزيد ، قال حدثنا
حجاج بن إبراهيم ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17313يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة ، قال أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ، عن
عبد الله بن عبيد الأنصاري ، قال :
كتبت إلى صديق لي من بني زريق من أهل المدينة ، أن يسأل لي عن ولد المتلاعنين ، لمن قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فكتب إلي : أني قد سألت فأخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به لأمه . 1987 - حدثنا
يوسف ، قال حدثنا
حجاج ، قال حدثنا
يحيى بن زكرياء ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16453عبد الله بن عون ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ، قال : خالفني
nindex.php?page=showalam&ids=16466عبد الله بن معقل ، وإبراهيم في
ولد الملاعنة ، فقلت ألحقه به بعد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ثم أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، ثم ألحقه به فكتبوا في ذلك إلى
المدينة فكتبوا أنه يلحق بأمه .
فهذا ما وجدناه في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه .
[ ص: 427 ] فأما ما احتج به هذا القائل الذي ذكرنا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=673858الولد للفراش فلم يكن ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا المعنى ، وإنما كان لمعنى سواه سنأتي به إن شاء الله فمن ذلك أن الأنساب قد كان في الجاهلية تدعى بوجوه مختلفة من النكاحات وما سواها كما :
1988 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11939ابن أبي داود ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12322أصبغ بن الفرج ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب ، قال : أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=17423يونس بن يزيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300ابن شهاب ، قال : أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، أخبرته ، أن
النكاح كان في الجاهلية على أربعة أنحاء ، فنكاح منها نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل ابنته فيزوجها ثم ينكحها ونكاح آخر كان الرجل يقول لامرأته : إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب وإنما يصنع ذلك رغبة في نجابة الولد فكان هذا النكاح يسمى نكاح الاستبضاع .
ونكاح آخر يجتمع الرهط دون العشرة فيدخلون على المرأة ، فكلهم يصيبها ، فإذا حملت ووضعت ، ومر ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها ، فتقول لهم : قد عرفتم الذي كان من أمركم ، وقد ولدت ، وهو ولدك يا فلان ، تسمي من أحبت منهم باسمه ، فيلحق به ولدها ، لا يستطيع أن يمتنع .
والنكاح الرابع يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة فلا تمتنع ممن جاءها ، وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات ، فمن أرادهن دخل عليهن ، فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها ، ودعوا لهم القافة ، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون ، ودعي ابنه ، لا يمتنع من ذلك فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق هدم نكاح أهل الجاهلية كله إلا نكاح أهل الإسلام اليوم .
ففي هذا النسب قد كانت ترد إلى غير الفرش فقال رسول الله صلى الله عليه
[ ص: 428 ] وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=673858الولد للفراش أي أنه لا يرد إلى شبه ، ولا إلى إصابة لا عن فراش وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب في نكاح أهل الجاهلية بزيادة على هذه المعاني كما :
1989 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، عن
سفيان ، عن
عبد الله بن أبي يزيد ، عن أبيه ، قال :
أرسل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب إلى شيخ من بني زهرة من أهل دارنا ، فذهبت مع الشيخ إلى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وهو في الحجر ، فسأله عن ولاد من ولاد الجاهلية ، قال : فكانت المرأة في الجاهلية إذا طلقها زوجها ، أو مات عنها نكحت بغير عدة ، فقال الرجل : أما النطفة فمن فلان ، وأما الولد فهو على فراش فلان .
أفلا ترى أن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري لما سأله
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، قال له : أما النطفة فمن فلان ، أي على ما كانوا يستعملون في الجاهلية من الحكم للنطف ، وأما الولد فعلى فراش فلان ، فصدقه
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر على ما قال ، ورد الحكم فيه إلى حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالولد للفراش وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أنه كان يرد دعوى الناس في الإسلام لما كان مولودا من نطفهم في الجاهلية إلى الحكم الذي كانوا عليه في الجاهلية كما :
1990 - حدثنا
يونس ، قال أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=12049أنس بن عياض ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى بن سعيد ، قال حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار ،
أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر كان يليط أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام . 1991 - حدثنا
يونس ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا ، حدثه عن
nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى بن سعيد ، عن
سليمان ، فذكر مثله .
[ ص: 429 ] أفلا ترى
أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر لما كانت الولادة في الجاهلية ، رد حكم دعواها إلى ما كانوا عليه في الجاهلية ، فدل ذلك أن ما خاطب به
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16407ابن أبي يزيد الذي ذكرنا قبل هذا ، إنما كان في مولود في الإسلام ، فرده إلى حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : الولد للفراش .