كتاب المكاتبة .
[ ص: 456 ] تأويل قوله تعالى : ( والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) الآية .
قال الله جل ثناؤه : (
والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) .
فكان الكتاب الذي ذكره الله عز وجل في هذه الآية غير مبين ما هو فيها ، ولا فيما سواها من آي القرآن ، ومبينا في السنة ما هو ، وهو أن يكاتب الرجل مملوكه على مال معلوم على أنه يعتق بعقد المكاتبة عليه في حال ما قد اختلف فيها ، نحن ذاكروها في بقية هذا الباب إن شاء الله .
وأما قوله عز وجل : (
إن علمتم فيهم خيرا ) ، فقد اختلف في الخير المراد في ذلك ما هو ، فروي فيه عن غير واحد من المتقدمين ما نحن ذاكروه أيضا في هذا الباب إن شاء الله ، فمما روي عنهم في ذلك ما :
2032 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12391إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17282وهب بن جرير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ، عن
مغيرة ، عن
إبراهيم ،
( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) ، قال : صدقا ووفاء .
2033 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12391إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15538بشر بن عمر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ، عن
يونس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ، قال : دينا .
2034 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12391إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا
وهب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ، عن
يونس ،
[ ص: 457 ] عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ،
( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) ، قال : دينا وأمانة .
2035 - حدثنا
إبراهيم ، قال حدثنا
وهب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ، عن
الحكم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) ، قال : إن علمتم لهم مالا .
2036 - حدثنا
إبراهيم ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16365عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17152منصور ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء ،
( إن علمتم فيهم خيرا ) ، قال : مالا .
2037 - حدثنا
عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14906محمد بن يوسف الفريابي ، قال حدثنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16536عبيدة السلماني ، ( إن علمتم فيهم خيرا ) ، قال : إن أقاموا الصلاة .
2038 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12256ابن أبي مريم ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14906الفريابي ، قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16833قيس بن الربيع ، عن
سالم الأفطس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ، في
قوله : ( إن علمتم فيهم خيرا ) ، قال : إن علمتم أنهم يريدون بذلك الخير .
فأما ما روينا في تأويل هذا الخير المذكور في هذه الآية عن
إبراهيم والحسن فمعناه عندنا - والله أعلم - إن علمتم فيهم أن فيهم الدين والصدق والوفاء الذين يعاملوكم على أنهم متعبدون فيه بالوفاء لكم ، والخروج إليكم مما تكاتبونهم عليه ، أي فمن كانت هذه سبيله فكاتبوه إذا كان مذهبه الصدق في معاملته ، والوفاء لغريمه بما عليه .
[ ص: 458 ] وفي حمل هذا الخير على هذا التأويل ما دل على أن قوله عز وجل : فكاتبوهم عند
إبراهيم والحسن على الإرشاد ، لا على الإيجاب .
وأما ما رويناه في تأويل الخير عن
عبيدة ، وأنه الصلاة ، فإن كان يعني بذلك ما يجب على مقيمي الصلاة من الوفاء بالأقوال والامتثال في المعاملات ما قد أمر الله عز وجل به مقيمي الصلاة ، فقد رجع معنى ذلك إلى المعنى الذي ذهب إليه
إبراهيم والحسن فيه .
وإن كان يعني إقامة الصلوات المفروضات خاصة فذلك عندنا لا معنى له ، لأنه لم يمنع في هذه الآية من
مكاتبة غير أهل الصلاة من اليهود ، ومن النصارى ، وغيرهم ، ولم يكره ذلك لأحد من أهل الإسلام ، ولم ينه عنه .
وأما ما روينا في تأويل
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد وعطاء ، وأنه المال ، فذلك محال عندنا ، لأن العبد نفسه مال لمولاه ، فكيف يكون له مال ؟
وأما ما روينا في تأويله عن
سعيد ، وأنه إرادة الخير ، فذلك يرجع إلى معنى ما روينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن وإبراهيم ، لأن الصدق والوفاء من الخير وهذا الذي ذكرنا من الكتاب فغير واجب على الناس ، وإن علموا فيمن يملكون الخير ، وابتغوا منهم الكتاب ، لأن ذلك لو كان واجبا على المالكين إذا طلبه منهم المملوكون ، لكان واجبا على المملوكين إذا طلبه منهم المالكون ، لأن أحكام التمليكات كلها من البياعات ، وغيرها كذلك يستوي فيها حكم المملك لها وحكم المملك إياها .
وقد اختلف أهل العلم في الرجل
كاتب عبده على المال الحال ، فقالت طائفة : المكاتبة على ذلك جائزة وممن قال ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف ،
ومحمد كما حدثنا
سليمان ، عن أبيه ، عن
محمد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ، بغير اختلاف ذكره بينهم .
وقالت طائفة
لا تجوز المكاتبة إلا على مال آجل ، ولا تجوز على المال العاجل وممن قال هذا
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، غير أنه زاد على أهل هذه المقالة في ذلك ، أن
المكاتبة لا تجوز إلا إلى نجمين فما فوقها من النجوم ، ولا تجوز حالة ولا إلى نجم واحد . [ ص: 459 ] ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيه ، فوجدنا البياعات جائزات على الأبدال العاجلة ، وعلى الأبدال الآجلة ، ووجدنا النكاحات والخلع كذلك ولم نجد شيئا متفقا عليه لا يجوز إلا بأجل غير السلم ، فإنهم جميعا مجمعون على أنه لا يجوز حالا غير
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، فإنه قد كان ذهب إلى إجازته حالا .
ولما كان حكم المكاتبة فيما ذكرنا فيه تمليك المكاتب كسبه بعوض يتعوض عليه ، كان حكمه بحكم البياعات أشبه فلما جاز عقد البياعات على الأيمان العاجلة وعلى الأيمان الآجلة ، جاز في عقد المكاتبات على الأموال العاجلة والآجلة هذا هو القياس عندنا في هذا الباب والله أعلم .