ولما كان في موضع وضع اليدين من الاختلاف ما ذكرنا ، ووجدنا التكبير من الناس بعضهم لبعض هو وضع اليدين على الصدر ، وذلك مكروه ، فكان أولى بنا أن نجعل المباح لنا بخلافه .
فكان من حجة من ذهب في ذلك إلى القول الأول أن قال : إذا كان وضع إحدى اليدين على الأخرى في الصلاة إنما هو كقوله - عز وجل - : (
فصل لربك وانحر ) كان الموضع الذي هو أقرب إلى النحر أولى أن توضع اليدان عليه .
قالوا : وقد روي في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يقطع الاختلاف فيه ، فذكروا في ذلك ما حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15551أبو بكرة ، قال :
329 - حدثنا
مؤمل ، قال : حدثنا
سفيان ، عن
عاصم بن كليب ، عن أبيه ،
عن nindex.php?page=showalam&ids=101وائل بن حجر - رضي الله عنه - ، قال : " رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد وضع يديه على صدره إحداهما على الأخرى " .
فكان من الحجة عليهم لأهل المقالة الثانية إنا قد رأينا حقيقة النحر لا توضع اليدان عليها في قول أحد من الفريقين ، وإنما توضع على غيرها مما هو دونهما ، وكان ذلك موضعا لم توقف حقيقته ، فوجدنا الذين قالوا إن المراد بذلك وضع إحدى اليدين على الأخرى في الصلاة ، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو
علي - رضي الله عنه - ، قال : توضع تحت السرة ، وتابعه على ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة - رضي الله عنه - ، قالا جميعا : إن ذلك من السنة ، وذلك مما لا يوجد من جهة الاستنباط ولا من جهة الرأي ، فيكون ما روى
وائل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك أولى من قولهما ، ولكنه إنما يوجد من جهة التوقيف من الرسول - صلى الله عليه وسلم - إياهما على ذلك ، فصار ما رويناه عنهما ذلك مكافئا لما رويناه فيه عن
وائل ، ولما كان الذي رواه
وائل فيه عن النبي صلى الله
[ ص: 187 ] عليه وسلم ما يوافق أفعال أهل الكتابين في صلاتهم ، والذي رويناه ، عن
علي ، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة ، مما لا يكون مأخوذا عن غير النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف ذلك كان أولى مما روى
وائل ، لأن الذي كان على النبي - صلى الله عليه وسلم - اتباع شريعة من كان قبله من الأنبياء صلوات الله عليهم حتى يحدث الله - عز وجل - له شريعة ما تنسخ ذلك ، فصححنا الروايتين جميعا ، فجعلنا ما روى
nindex.php?page=showalam&ids=101وائل بن حجر من ذلك متقدما ، وما روي عن
علي ، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة في ذلك متأخرا ناسخا لما كان قبله .
فإن قال قائل : فقد ذكرتم في هذا الباب أن ما وقع عليه اسم السنة هو ما لم ينزل به كتاب ، وبينتم بذلك قول علي في
تأويل قول الله - عز وجل - : ( وانحر ) أنه وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة ، ونفيتم أن يكون هو النحر الذي يفعل يوم النحر لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك : " فقد وافق سنتنا " ، ثم رويتم عن
علي ، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة ، أن وضع اليدين في الصلاة إحديهما على الأخرى تحت السرة من السنة . فإذا كان وضع إحدى اليدين على الأخرى في الصلاة من السنة دل ذلك على أنه ليس المراد بالآية كما دلت السنة في النحر عندكم على أنه ليس المراد بالآية ؟ .
قيل له : أما قول
علي ، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة في ما رويناه عنهما مما ذكرت أنه من السنة فليس ذلك على نفس النحر المتأول ، ولا على وضع إحدى اليدين على الأخرى في الصلاة ، ولكنه على الموضع الذي توضع فيه اليدان ، وذلك لم يأت به كتاب ، وإنما جاءت به السنة ، فكان سنة كما قالا .