فإن ذهب ذاهب آخر إلى أن الركعتين اللتين صلاهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالطائفة الثانية كانت له تطوعا ، وكانت للمأمومين فريضة ، لأنه يجوز عنده أن تصلي الفريضة خلف إمام يصلي تطوعا ، ويحتج في ذلك بما روي عن
معاذ - رضي الله عنه - في صلاته لقومه العشاء بعد صلاته إياها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أن
nindex.php?page=showalam&ids=12391إبراهيم بن مرزوق : 388 - حدثنا ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12063أبو عاصم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، قال : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله ، أن معاذا - رضي الله عنه - كان " يصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء ، ثم ينصرف إلى قومه فيصلي بهم .
هي له تطوع وهي لهم فريضة ، وليس من الحديث ، ولا من لفظ
جابر ، ولا
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، وذلك أن
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة قد روي هذا الحديث عن
عمرو ، nindex.php?page=showalam&ids=11862وأبي الزبير بألفاظ أكثر من ألفاظ حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ولم يذكر فيه هذا الحرف ، وذلك أن
nindex.php?page=showalam&ids=15215إسماعيل بن يحيى المزني : 389 - حدثنا ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، قال : حدثنا
سفيان ، عن
عمرو سمع
جابرا ، يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=667087كان nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل - رضي الله عنه - يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة العشاء ، أو قال : العتمة ، ثم يرجع فيصليها بقومه في بني سلمة ، فأخر النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة العشاء ، أو قال : العتمة ذات ليلة ، فصلى معاذ معه ، ثم رجع فأم قومه ، فافتتح سورة البقرة ، فتنحى رجل من خلفه فصلى وحده ، فقيل له : أنافقت ؟ قال : لا ، ولآتين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إنك أخرت العشاء ، وإن معاذا يصلي معك ، ثم رجع فأمنا ، فافتتح سورة البقرة ، فلما رأيت ذلك تأخرت فصليت ، وإنما نحن أصحاب نواضح ، نعمل بأيدينا .
فأقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - على معاذ ، فقال : " أفتان أنت يا معاذ ؟ أفتان [ ص: 207 ] أنت يا معاذ ؟ أفتان أنت يا معاذ ؟ اقرأ سورة كذا وسورة كذا " . 390 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، عن
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير ، عن
جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .
وزاد
أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال له : " اقرأ بسبح اسم ربك الأعلى ، والليل إذا يغشى ، والسماء والطارق ، ونحوها " .
قال
سفيان : فقلت
لعمرو : nindex.php?page=hadith&LINKID=657717إن nindex.php?page=showalam&ids=11862أبا الزبير ، يقول : قال له : " اقرأ بسبح اسم ربك الأعلى ، والليل إذا يغشى ، والسماء والطارق " .
فقال
عمرو : هو هذا أو نحو هذا .
391 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15551أبو بكرة ، قال : حدثنا
إبراهيم بن يسار ، قال : حدثنا
سفيان ، عن كل واحد من
عمرو ، ومن
nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير بما رويناه عنه في حديثي
nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني ، وتابع
سفيان على ترك ذلك الحرف
nindex.php?page=showalam&ids=17154منصور بن زاذان . 392 - فحدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11807أبو أمية ، قال : حدثنا
سريح بن النعمان الجوهري ، قال : حدثنا
هشيم ، قال أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=17154منصور يعني ابن زاذان ، عن
عمرو ، عن
جابر ، أن معاذا - رضي الله عنه - كان " يصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة العشاء الآخرة ، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة " .
وتابع
سفيان على ذلك
إبراهيم بن إسماعيل غير أنه ذكره عن
nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير ولم يذكره عن
عمرو . 393 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11807أبو أمية ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16527عبيد الله بن موسى ، قال : حدثنا
إبراهيم بن إسماعيل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير ، عن جابر ، أن معاذا كان " يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يرجع فيصليها بقومه " .
ففي هذه الآثار التي روينا أن
معاذا كان يصلي لقومه الصلاة التي صلاها مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فذلك ينفي ما في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، لأنه لو كان يصلي بقومه
[ ص: 208 ] تطوعا لكان ما يصلي بهم غير ما كان صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي قوله : " إنه كان يصلي بقومه ما صلاه مع النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل ذلك " ، دليل أنه فعل من ذلك ما ذكرناه مما كان يفعل في أول الإسلام من إعادة الفريضة مرتين ، حتى قطع ذلك نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه .
394 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12538محمد بن علي بن داود ، قال : حدثنا
عفان ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17287وهيب بن خالد ، عن
عمرو بن يحيى المازني ، عن
معاذ بن رفاعة ، nindex.php?page=hadith&LINKID=932289عن رجل من بني سلمة ، يقال له : سليم أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إن معاذا يأتينا بعد ما ننام ، ونكون في أعمالنا بالنهار ، فينادي بالصلاة فنخرج إليه ، فيطول علينا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا معاذ ، لا تكن فتانا ، إما أن تصلي معي ، وإما أن تخفف على قومك " .
ففي قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا القول
لمعاذ ، لما علم ما كان يفعل مما ذكرناه عنه ، دليل على أنه لم يبح له جمعهما جميعا ، لأنه لو أباح له جمعهما ، لقال له : صل معي وخفف بقومك .
فإن قال قائل : فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر قوم
معاذ الذين صلوا خلفه بإعادة ما صلوا خلفه كذلك .
قيل له : وكيف يأمرهم بإعادة صلاة قد كانت لهم مباحة أن يصلوها كما صلوها خلف
معاذ ، لما قد ذكرنا عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب ، وخالد بن أيمن ، أن أهل العوالي ، وهم قوم
معاذ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كانوا يصلون الفريضة مرتين حتى نهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك .
فلما كانوا على صلاة قد كانت مباحة لهم لم يبلغهم النهي عنها حتى صلوها على الفرض الأول كانت مجزئة عنهم ، ولم تكن عليهم إعادتها .
وقد كان
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف رحمه الله ، قال مرة : لا تصلى صلاة خوف بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحكى ذلك عنه
محمد وأنكره عليه ، وخالفه فيه إلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة الذي رويناه عنه .
وكان من حجة
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف فيما ذهب إليه من ذلك أن الله - عز وجل - قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : (
وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ) الآية ، فإنما أمرهم بذلك لفضل الصلاة معه على صلاتهم وحدانا ، وعلى صلاتهم مع غيره
[ ص: 209 ] .
وكان من الحجة عليه للآخرين فيما احتج عليهم من ذلك أن قول الله - عز وجل - : (
وإذا كنت فيهم ) ، كقوله : (
خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) ، فلم يكن ذلك على صدقة تنقطع بوفاته يأخذها ولاة الأمر من بعده كما كان هو يأخذها في حياته - صلى الله عليه وسلم - .
فقال قائل : لا يشبه هذا قوله - عز وجل - : (
وإذا كنت فيهم ) لأن قوله : (
خذ من أموالهم صدقة ) قد جعل إليه أخذ الصدقة ، فكان - صلى الله عليه وسلم - يأخذها بنفسه ، ويأخذها بأمره من يوليه أخذها إياه بنفسه ، وأخذ غيره إياه له بأمره سواء ، وهو في ذلك أخذ له .
وأما
قوله - عز وجل - : ( وإذا كنت فيهم ) فإن كون غيره بأمره فيهم ليس كونه ، فالأخذ يكون من الآخذ بنفسه وبغيره ممن يأمره بذلك ، ويكون فيهما جميعا أخذا ، والكون لا يكون من الكائن فيهم ، إلا بكونه بنفسه لا بكينونة غيره فيهم ، لأنه في تكوينه غيره فيهم مكون لغيره غير كائن بنفسه .
قيل له : أما الكون الذي لا يكون إلا من النبي - صلى الله عليه وسلم - في كونه بيديه فهو كما ذكرت ، ولا يجوز أن يخلف فيه ، وأما الكون الذي به تقيم الفرائض فإن خليفته في أمته هو خليفته في إقامة الفرائض التي كان يقيمها .
وليس القصد بالخطاب إلى كونه في الناس بمسقط للفرائض عنهم بخروجه منهم ، ولا معه لحكمها بعده كما كانت عليه في حياته - صلى الله عليه وسلم - .
وقد رأينا أشياء جرت على خطاب خاصة من الناس ، فلم يكن المراد فيها من خوطب بها خاصة دون من سواهم من الناس ، ولم يكن ذهاب المخاطبين بها مسقطا لفرضها عمن حدث بعدهم ، ولا مزيل لأحكامها عما كانت عليه من ذلك قول الله - عز وجل - لنبيه : (
يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ) الآية ، فلم يكن القصد بالخطاب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ما يمنع أن يكون ذلك إلى من خلفه من بعده كما كان إليه في حياته ، بل كان ذلك إلى خلفائه من بعده كما كان إليه قبلهم .
ومن ذلك قوله - عز وجل - : (
يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) ، ثم قال - عز وجل - : (
فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) ، ولم يقل : فمن شهد الشهر فليصمه مع أن قوله : (
يا أيها الذين آمنوا ) يخبر بتقدم إيمانهم نزول الآية .
وقوله : (
فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) يدل على أنه إنما عنى المخاطبين ، ولم يكن
[ ص: 210 ] ذلك الخطاب على المعدومين ، ولا على من لم يلحق الفرائض ممن كان صبيا في وقت نزول الآية ، وقد لحق ذلك كل من عاد حكمه إلى حكم أهل الفرض الأول ممن خوطب بالآية ، وصار اللاحقون بهم والكائنون بعدهم مخاطبين بها ، مرادين بفرضها كما كان من كان من المؤمنين في وقت نزولها .
ومن ذلك قوله - عز وجل - : (
فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) الآية ، وقوله : (
وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح ) الآية . وقوله : (
ذلك لمن خشي العنت منكم ) وأشباه هذا في القرآن كثير .
فلما كان الحادثون ممن فيهم المعنى الذي من أجله وجب الفرض على الأولين ، يكونون في الفرض عليهم ، وفي لزومه إياهم كالأولين ، كان كذلك الحادثون من ولاة الأمر في إقامة الفرائض ، والكون فيمن يقيمونها فيهم في حكم الذين خلفوه فيهم .
فإن قال قائل : إن
الصلاة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها من الفضل ما ليس للصلاة مع غيره فوجب لفضل الصلاة معه إباحة الانصراف منها في غير موضع الانصراف في غيرها ، والصلاة مع من هو مثله فيهم كما تفضل الصلاة معه الصلاة مع غيره من الناس .
قيل : الأمر في فضل الصلاة معه صلى الله عليه وسلم ، كما ذكرت ، ولكنا لم نر ذلك الفضل أسقط فرضا عن المأمومين ، ولا أباح محظورا كان عليهم .
ألا ترى أنهم يتطهرون لها كما يتطهرون للصلاة مع غيره ، ويأتون بقيامها ، وركوعها ، وسجودها ، وسائر ما يأتون به فيها معه كما كانوا يأتون به لو صلوها مع غيره ، فلما كان فضل الصلاة معه صلى الله عليه وسلم ، غير مغير لحكم الصلاة في نفسها ، ولا لحكم الفرض على المأمومين فيها ثبت بذلك أن ما أبيح لهم من الانصراف لم يكن لفضل الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه إنما كان لأن نفس الصلاة كذلك كانت .
وحجة أخرى وهي أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين شهدوا نزول الآية ، وحضروا استعمال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياها قد جعلوها من بعده - صلى الله عليه وسلم - على حكمها الذي كان في وقته ، منهم :
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، وحذيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت ، وقد سئلوا عنها بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتوا بها وأخبروا كيف
[ ص: 211 ] صلوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يمنعوا من حدثوه بها عن امتثال ذلك ، ولا أعلموه أن ذلك مما قد سقط بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو كان فرضها خاصا إذا لأعلموا ذلك من سألهم عنها كما أعلم
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبو ذر الذي سأله عن
فسخ الحج ، فقال : كان لنا وليس لكم ، وسنأتي بذلك بإسناده في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى .
ففي تركهم تبيان ما ذكرنا لسائلهم دليل على ما ذهب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر ، nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف ، في قوله الذي تابعهما عليه ،
nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد بن الحسن ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي .
وقد روينا عن
سهل بن أبي حثمة في هذا الباب وصفه
صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحضرة العدو في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16337عبد الرحمن بن القاسم .
ثم روينا من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=16102وشعبة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى بن سعيد ذكر كيفيتها ، فذلك أيضا دليل أن مذهبه كان في ذلك كمذهب من ذكرنا ممن يقول : إن للناس استعمالها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .