الباب الثاني في ذكر ما أعلمنا الله تعالى في كتابه أنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء، وأنه لا يهتدي بالمرسلين والكتب والآيات والبراهين إلا من سبق في علم الله أنه يهديه
[ ص: 264 ] قال الشيخ : ففي كل هذه الآيات يعلم الله عز وجل عباده المؤمنين أنه هو الهادي المضل ، وأن الرسل لا يهتدي بها إلا من هداه الله ، ولا يأبى الهداية إلا من أضله الله ، ولو كان من اهتدى بالرسل والأنبياء مهتديا بغير هدايته ؛ لكان كل من جاءهم المرسلون مهتدين لأن الرسل بعثوا رحمة للعالمين ، ونصيحة لمن أطاعهم من الخليقة أجمعين ، فلو كانت الهداية إليهم لما ضل أحد جاؤوه .
[ ص: 265 ] هذا من أحكام الله وعدله الذي لا يجوز لأحد أن يتفكر فيه ولا يظن فيه بربه غير العدل ، وأن يحمل ما جهله من ذلك على نفسه ، ولا يقول : كيف بعث الله عز وجل نوحا إلى قومه وأمره بنصيحتهم ودلالتهم على عبادته والإيمان به وبطاعته ، والله يغويهم ويحول بينهم وبين قبول ما جاء به نوح إليهم عن ربه ؛ حتى كذبوه وردوا ما جاء به ، ولقد حرص نوح في هداية الضال من ولده ، ودعا الله أن ينجيه من أهله ؛ فما أجيب ، وعاتبه الله في ذلك بأغلظ العتاب ، حين قال نوح رب إن ابني من أهلي ، فقال الله عز وجل : إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين .