1. الرئيسية
  2. الإبانة الكبرى لابن بطة
  3. كتاب القدر
  4. الباب الثاني في ذكر ما أعلمنا الله تعالى في كتابه أنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء، وأنه لا يهتدي بالمرسلين والكتب والآيات والبراهين إلا من سبق في علم الله أنه يهديه
صفحة جزء
الباب الثاني : في ذكر ما أعلمنا الله تعالى في كتابه أنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء ، وأنه لا يهتدي بالمرسلين والكتب والآيات والبراهين إلا من سبق في علم الله أنه يهديه

قال الله عز وجل في سورة النساء فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا .

وفيها أيضا مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا

وقال في سورة الأنعام والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم .

وفيها قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين

وفيها ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون .

[ ص: 260 ] وفيها ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون .

وفيها وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين .

وقال في سورة الأعراف : من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون .

وقال في سورة الرعد ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب .

وقال فيها إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، قال : أنت المنذر والله الهادي .

وقال فيها أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا

[ ص: 261 ] وقال فيها بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد .

وقال في سورة إبراهيم وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء .

وقال في سورة النحل وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين .

وقال فيها ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين .

إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين .

وقال في بني إسرائيل ومن يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه .

[ ص: 262 ] وقال في الكهف من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا .

وقال في الحج وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد .

وقال في سورة النور يهدي الله لنوره من يشاء .

ثم قال ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور .

وفيها أيضا لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .

وقال في القصص إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين .

وقال في الروم بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين .

وقال في سجدة لقمان ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين . [ ص: 263 ] وقال في سورة الملائكة أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون .

وقال في الزمر ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد .

وقال لنبيه عليه الصلاة والسلام في هذه السورة ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام .

وقال في حم المؤمن ، يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد .

وقال في سورة المدثر كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء .

[ ص: 264 ] قال الشيخ : ففي كل هذه الآيات يعلم الله عز وجل عباده المؤمنين أنه هو الهادي المضل ، وأن الرسل لا يهتدي بها إلا من هداه الله ، ولا يأبى الهداية إلا من أضله الله ، ولو كان من اهتدى بالرسل والأنبياء مهتديا بغير هدايته ؛ لكان كل من جاءهم المرسلون مهتدين لأن الرسل بعثوا رحمة للعالمين ، ونصيحة لمن أطاعهم من الخليقة أجمعين ، فلو كانت الهداية إليهم لما ضل أحد جاؤوه .

أما سمعت ما أخبرنا مولانا الكريم من نصيحة نبينا صلى الله عليه وسلم وحرصه على إيماننا حين يقول لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم وبالذي أخبرنا به عن خطاب نوح عليه السلام لقومه ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون .

[ ص: 265 ] هذا من أحكام الله وعدله الذي لا يجوز لأحد أن يتفكر فيه ولا يظن فيه بربه غير العدل ، وأن يحمل ما جهله من ذلك على نفسه ، ولا يقول : كيف بعث الله عز وجل نوحا إلى قومه وأمره بنصيحتهم ودلالتهم على عبادته والإيمان به وبطاعته ، والله يغويهم ويحول بينهم وبين قبول ما جاء به نوح إليهم عن ربه ؛ حتى كذبوه وردوا ما جاء به ، ولقد حرص نوح في هداية الضال من ولده ، ودعا الله أن ينجيه من أهله ؛ فما أجيب ، وعاتبه الله في ذلك بأغلظ العتاب ، حين قال نوح رب إن ابني من أهلي ، فقال الله عز وجل : إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين .

وذلك أن ابن نوح كان ممن سبقت له من الله الشقوة ، وكتب في ديوان الضلال الأشقياء ، فما أغنت عنه نبوة أبيه ولا شفاعته فيه ، فنحمد ربنا أن خصنا بعنايته ، وابتدأنا بهدايته من غير شفاعة شافع ولا دعوة داع ، وإياه نسأل أن يتم ما به ابتدأنا ، وأن يمسكنا بعرى الدين الذي إليه هدانا ، ولا ينزع منا صالحا أعطانا .

[ ص: 266 ] [ ص: 267 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية