الباب الثالث : في
ذكر ما أخبرنا الله تبارك وتعالى أنه أرسل المرسلين إلى الناس يدعونهم إلى عبادة رب العالمين ثم أرسل الشياطين على الكافرين تحرضهم على تكذيب المرسلين ، ومن أنكر ذلك فهو من الفرق الهالكة .
قال الشيخ : وفرض على المسلمين أن يؤمنوا ويصدقوا بأن علم الله عز وجل قد سبق ونفذ في خلقه قبل أن يخلقهم ، كيف يخلقهم ، وماذا هم عاملون ، وإلى ماذا هم صائرون ، فكتب ذلك في اللوح المحفوظ وهو أم الكتاب ، ويصدق ذلك قوله عز وجل
ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير .
يقول : أحصى ما هو كائن قبل أن يكون ، فخلقهم على ذلك العلم السابق فيهم ، ثم أرسل بعد العلم بهم والكتاب الرسل إلى بني
آدم يدعونهم إلى توحيد الله وطاعته ، وينهونهم عن الشرك بالله ومعصيته ، يدلك على تصديق ذلك قوله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم
وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون .
فالرسل في الظاهر تدعوهم إلى الله وتأمرهم بعبادته وطاعته ، ثم أرسل
[ ص: 268 ] الشياطين على الكافرين يدعونهم إلى الشرك والمقام على الكفر والمعاصي ، كل ذلك ليتم ما علم ، ولا يكون إلا ما أمر ، فسبحان من جعل هذا هكذا وحجب قلوب الخلق ومنعهم على مراده في ذلك وجعله سره المخزون وعلمه المكتوم! ويصدق ذلك قوله تعالى
ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا .
وقال تعالى
واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم
. أما ترى كيف أعلمنا أن السحر كفر ، وأنه أنزله على
هاروت وماروت وجعلهما فتنة ليكفر من كتبه كافرا بفتنتهما ، وأن السحر الذي يعلمانه الناس كفر ، وأنه لا يضر أحدا إلا من قد أذن الله أن يضره السحر وذلك عدل منه
[ ص: 269 ] سبحانه .
وقال عز وجل
ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم .
وقال تعالى
وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين .
وقال عز وجل
ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون
قال الشيخ : فقد
أخبرنا الله عز وجل في كتابه وعلى لسان رسوله أنه يرسل الشياطين فتنة للكافرين الذين حق عليهم القول ومن سبقت عليه الشقوة حتى يؤزوهم أزا ، ويحرضوهم على الكفر تحريضا ، ويزينوا لهم سوء أعمالهم ، [ ص: 270 ] وكذلك أخبرنا أنه هو تعالى فتن قوم
موسى حتى عبدوا العجل وضلوا عن سواء السبيل .
وقال عز وجل
قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري .
وقال عز وجل
ونبلوكم بالشر والخير فتنة .
وقال عز وجل
وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون .
وقال :
وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل .
قال الشيخ : فهذا كلام الله عز وجل وإخباره عن فعله في خلقه ، يعلمهم أن المفتون من فتنه ، والهادي من هداه ، والضال من أضله وحال بينه وبين الهدى ، وأن الشياطين هو خلقها وسلطها ، والسحر هو أنزله على السحرة ، وأنه لا يضر أحدا إلا بإذنه ، فتعس عبد وانتكس سمع هذا الكلام الفصيح الذي جاء به الرسول الصادق عليه السلام من كتاب ربه الناطق فيتصامم عنه ويتغافل ، ويتمحل لآرائه وأهوائه المقاييس بالكلام المزخرف والقول المحرف ؛ ابتغاء
[ ص: 271 ] الفتنة وحب الأتباع والأشياع
ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون .