قال الشيخ : فقد ذكرت لكم رحمكم الله من تثبيت رؤية المؤمنين ربهم تعالى يوم القيامة في الجنة ، وشرحت ذلك وبينته ملخصا من كتاب الله تعالى وسنة نبيه
محمد صلى الله عليه وسلم ، وإجماع العلماء ، وأئمة المسلمين ، ولغات العرب ما في بعضه كفاية ، وغنى وهداية ، وشفاء لمن وهب الله بصيرة ، وأراد به مولاه الكريم الخير والسلامة .
فأما الجهمي الملعون الذي قد غلب على قلبه الرين ، ومنع العصمة ، وحيل بينه وبين التوفيق ، فإنه يجحد ذلك كله وينكره ، ويعرض عنه ، ويتخذه هزوا ، فهو من الذين قال الله تعالى :
وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا .
فالجهمي ينكر أن المؤمنين يرون ربهم في القيامة ، فإذا سئل عن حجته في ذلك نزع بآيات من متشابه القرآن ، وهو في أصل مذهبه ، وتأسيس اعتقاده تكذيب القرآن وجحده ، فيموه باحتجاجه بمتشابه القرآن على جهال الناس ، ومن لا علم عنده ، فيقول حجتي في ذلك قول الله تعالى :
لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، فظن من سمع كلامهم أنهم نزهوه ، وأجلوه ، ووحدوه ، بإنكارهم رؤيته ، واحتجاجهم بمتشابه القرآن ، فيقال لهم : أخبرونا ،
النبي صلى الله عليه وسلم كان أعلم بكتاب الله ومعاني كلامه ، ومراده في وحيه وتنزيله أم
nindex.php?page=showalam&ids=15658جهم بن صفوان ؟ فإن الذي أنزل عليه
[ ص: 71 ] القرآن وجاء بالهدى من ربه والبرهان يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=650521 " إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر ، وكما ترون الشمس في نحر الظهيرة " ، " وإن من أهل الجنة لمن ينظر إلى الله تعالى كل يوم مرتين " ، أفيظن الجهمي الملحد أن النبي صلى الله عليه وسلم ما قرأ هذه الآية التي احتج بها الجهمي ؟ أم يقول : إنه قد قرأها ؟ أم يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم عارض القرآن ، وتلقاه بالخلاف عليه والرد كما تفعل
الجهمية والمعتزلة ؟
فإن بعض
المعتزلة إذا وضح عندهم صحة الروايات ، والآثار الصحيحة التي لا يجوز عليها التواطؤ والاستحالة ، قالوا : قد قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان مشبها ، والمشبه عندهم كافر ملحد .
فأعظم من قولهم في نبيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامهم في ربهم ، وإلحادهم في أسمائه وجحدهم لصفاته ، وإبطالهم ربوبيته ، ألا ترى أنك لو جالست المعتزلي عمره كله ، ما قطع مجلسه ، ولا أفنى ليله ونهاره إلا بالخصومة والجدل في الله ، وفي صفاته ، وقدره ، وفي جحد العلم ، وفي نفي الصفات ، قد ولهته الخصومة ، وألهاه الجدل عن النظر في الحلال والحرام
[ ص: 72 ] اللذين تعبده الله بعلمهما ، وفرض عليه العمل بهما ، والعمل بالذي فرضه الله من علم ذلك ، فأما حجته ، وخصومته بقول الله تعالى :
لا تدركه الأبصار ، فإن معنى ذلك واضح لا يخيل على أهل العلم والمعرفة ، ذلك أنك تنظر إلى الصغير من خلق الله فيما يدركه بصرك ، ولا يحيط نظرك ، فالله تعالى أجل وأعظم من كل شيء يدركه بصر وإنما الإدراك أن يحيط البصر بالشيء حتى يراه كله فذلك الإدراك ، ألا ترى أنك ترى القمر فلا ترى منه إلا ما ظهر من وجهه ، ويخفى عليك ما غاب من قفاه ، وكذلك الشمس ، وكذلك السماء وكذلك البحر ، وكذلك الجبل ، وإن الرجل ليكلمك وهم معك فما يدركه بصرك ، وإنما تنظر منه إلى ما أقبل عليك منه .