247 - وقوله :
" إن الله نثر ذرية آدم من صلبه ، ثم أخذهم في يديه ، فقال لمن في يده اليمنى : هؤلاء أهل الجنة ، وقال لمن في يده الأخرى : هؤلاء أهل النار " ، وما قد ذكرته من الأحاديث في هذا الباب ، وما قبله كلها توافق معنى الكتاب ، والكتاب يصدقها . ووجدنا في كتاب الله عز وجل كلما حكى الله عن قوم من أهل عداوته شيئا فكان كذبا لم يدع ذلك حتى يبين كذبهم فيه ، وإذا حكى عنهم شيئا صدقوا فيه لم يصدقهم ، فيكون قد مدحهم ، ولم يكذبهم ؛ لأنهم قد صدقوا ولم يصدق الكاذب أحيانا ، من ذلك قوله :
وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ، فصدقوا في أول الكلام ، وكذبوا في آخره ، فكذبهم في كذبهم كما قالوا ، ومن ذلك قول إبليس :
رب بما أغويتني ، فذكر الله ذلك عنه ، فلم يكذبه إذ كان كما قال ، ولم يصدقه فيكون تصديقه إياه مدحة له
[ ص: 316 ] ومن ذلك ، قوله :
وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها ، فصدقوا في أول الكلام ، وكذبوا ، وذلك أنهم قد وجدوا عليها آباءهم ، فلم يكن يصدقهم الله في ذلك ، فيكون تصديقه لهم مدحة لهم ، وكذبهم في قولهم :
والله أمرنا بها فقال :
قل إن الله لا يأمر بالفحشاء .
وكذلك قول اليهود :
يد الله مغلولة ، فكذبهم في قولهم :
مغلولة ، ولم يصدقهم في ذكر اليد فيكون مادحا لهم ، ثم أوضح أن له يدين فقال :
غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا ، من ذكر الغل ، ثم قال :
بل يداه مبسوطتان .
فقالت
الجهمية : معنى اليد النعمة ، ولو كان كما زعموا لم يقل "
يداه ، ولقال : بل مبسوطة ، ولو كان معنى اليد معنى النعمة لم يقل بيدي ، ولقال : بيدي أو بنعمتي ؛ لأن نعم الله أكثر من أن تحصى ؛ لأنه قال :
وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ، وكيف يجوز أن تكون نعمتين .
وقالت
الجهمية : إنما معنى قوله :
والأرض جميعا قبضته يوم القيامة ، كقولك : الدار في قبض فلان ، يعني : في ملكه ، وقد قبضت المال ، وليس في كفك شيء ، وكذلك تقول : الأرض ، والدار ، والغلام ، والدابة في قبضتي
[ ص: 317 ] .
فموهوا بذلك على الجاهل ،
ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون ، فالقرآن مردود إلى ما جعله الله عليه ، فإنه قال :
قرآنا عربيا .
وقال :
وهذا لسان عربي مبين ، فالجهمي الملعون إنما أتي من جهله باللسان العربي ، ومن تعاشيه عن الجادة الواضحة ، وطلبه المتشابه ، وثنيات الطرق ابتغاء الفتنة
ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ، ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون .
فقول الجهمي : الدار في قبضة فلان ، إنما يريد بذلك المغالطة ، وإدخال الشك والريب على قلب الضعفاء من المسلمين .
فسوى بجهله بين القبض والقبضة ، ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول : الدار في قبضة فلان ، فإذا أردت الملك ، وما أشبهه من القبض لم تدخل الهاء ، فإن أردت قبضة اليد ، أدخلت الهاء ، فكذلك قوله :
والأرض جميعا قبضته .
ولو كان كقول الجهمي لقال : والأرض جميعا في قبضته ، ثم بين فقال :
والسماوات مطويات بيمينه ،
[ ص: 318 ] .
وكذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=662003 " يطوي الله السماوات كلها يوم القيامة ، ثم يهزها ، ثم يقول : أنا الجبار المتكبر ، أين ملوك الأرض ؟ " وقالت
الجهمية : لا نقول : إن الله سميع بصير ، وفي كل ذلك كذبت .
[ ص: 319 ]