وقالت الجهمية : إن معنى سمعه : معنى بصره ، وقد أكذبهم الله في كتابه فقال : إنني معكما أسمع وأرى ففصل بينهما . وقال :
ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين إنما معنى نعلم هاهنا : حتى نرى المجاهدين ، ألا ترى أنه قد علم المجاهدين بالعلم السابق منهم قبل أن يجاهدوا ؛ لأن الله عز وجل لا يستحدث علما ؛ لأن كل من استحدث علما بشيء فقد كان قبل علمه به جاهلا ، وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، ولكنه لا يراهم مجاهدين حتى يجاهدوا .
وأما قولهم : إن البصر بمعنى العلم فقد أكذبهم الله عز وجل حين فرق بين العلم والبصر . ألا ترى أن الله عز وجل ، قد علم أعمال العباد قبل أن يعملوها ، وقد علم أنك تصلي قبل أن تصلي وأنك تجاهد قبل أن تجاهد ، ولكنه لا يراك مصليا حتى تصلي ولا عاملا حتى تعمل ، وكذلك سائر الأعمال .
[ ص: 322 ]
ألا ترى إلى قوله عز وجل :
وقل اعملوا فسيرى الله عملكم .
وقوله :
واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا .
واصنع الفلك بأعيننا .
ولتصنع على عيني .
وقوله :
لقد سمع الله قول الذين قالوا .
وقوله :
أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ،
إنا معكم مستمعون ، وأشباه لهذا ، ونظائر في القرآن كثيرة كلها تجحدها الجهمية وتأبى قبولها .
ثم جاءت السنة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم بما يوافق الكتاب .