وقال زفر : لا يحنث بدون القبول لأنه عقد تملك فلا يتم بدونه كالبيع .
ولهذا يشترط حضور الموهوب له وفي القبض عنه روايتان : وهما في الفاسد وشرط الخيار أن لا يحنث في البيع الفاسد قبل القبض وفي البيع بشرط الخيار لا يحنث قبل إسقاط الخيار لأن الملك لا يثبت قبله وفي رواية يحنث لتمام العقد قبله فيهما .
( 32 ) قوله : والإقرار . في كونه من العقود نظر .
( 33 ) قوله : والإبراء . فإن حلف لا يبرئ فلانا ثم أبرأه فلم يقبل . في رواية يحنث كالهبة ، وفي أخرى لا يحنث كالبيع ، لأنه يشبه البيع من حيث إنه يفيد الملك بنفسه من غير قبض ، ويشبه الهبة من حيث إنه تمليك من غير عوض . وجزم شمس الأئمة الحلواني بالحنث .
( 34 ) قوله : والقرض . بأن حلف لا يقرض فلانا شيئا ثم قال : خذ هذا قرضا عليك فلم يقبل ، يحنث في رواية كالهبة لأن القرض يشبهها من وجهين : أحدهما أنه لا يشترط في صحته ذكر العوض ، والثاني أنه إذا حلف لا يقرض فلانا فأمر غيره يحنث كالهبة ولا يحنث في أخرى ، كالبيع لأن القرض معاوضة معنى باعتبار أن المستقرض يلزمه مثل ما استقرض في ذمته . ولهذا لو قال : أقرضني فلان ألف درهم فلم أقبله لا يصدق بخلاف الهبة فإنه لو قال وهبته ألفا فلم يقبل يصدق . وجزمه شمس الأئمة الحلواني بالحنث . كذا في شرح تلخيص الجامع للفخر المارديني . [ ص: 159 ]
( 35 ) قوله : فيحنث بواحد للجنس إلخ إنما يحنث بالواحد من الناس واللقمة من الطعام والقطرة من الماء ، لأنه اسم جنس فيصرف إلى الأدنى .
أما على قول من يصرفه عند الإطلاق إلى الواحد فظاهر ، وأما على قول من صرفه إلى الكل فلأنه لما تعذر الكل انصرف إلى الأدنى .
وبيان التعذر أنه لا يقدر على تزوج جميع النساء وشراء جميع العبيد وكلام جميع الناس وأكل جميع الطعام وشرب جميع الماء . والحالف إنما يمنع نفسه عما في وسعه وهذا في النساء والعبيد والناس ظاهر ، لأنها باللام صارت للجنس ، فأما قوله إن كلمت بني آدم فهو بمنزلة قوله إن كلمت الناس ، فإن العدد لما لم يحضرهم اقتصر فيه على الواحد وإضافتهم إلى آدم عليه السلام لتعريف الجنس إذ هو مضاف إلى المعرفة فصار كالتعريف باللام فيصير للجنس ، لأن جنسهم لا يذكر إلا هكذا .
ولا فرق في غير الجمع بين المنكر والمعرف ، فلهذا لو قال : إن أكلت الطعام أو طعاما لأنه للجنس بوضعه قبل دخول اللام فاستوى وجودها فيه وعدمها بخلاف الجمع فإنه إنما صار للجنس باللام فلذلك وقع الوفاق بين المعرف والمنكر فيه حتى لو قال : إن تزوجت نساء أو اشتريت عبيدا أو كلمت رجالا لا يحنث إلا بثلاثة لأنه أقل الجمع ولا يحنث بالاثنين كما يروى عن أبي يوسف رحمه الله تعالى ; لأن أهل اللغة فصلوا بين الثانية والجمع كما فصلوا بين الواحد والجمع ونعتوا الجمع بالثلاثة فقالوا رجال ثلاثة ولم ينعتوه بالاثنين فلم يقولوا جاءني رجال الاثنان .
ولو نوى الجنس صدق ويحنث بالواحد ; لأنه شدد على نفسه ولو نوى ما زاد على الثلاثة صدق أيضا .
( 36 ) قوله : ولو نوى الجنس في الكل صدق للحقيقة . الصواب كما في تلخيص الجامع : ولو نوى في الجنس الكل ، يعني لو نوى في الجنس جميع النساء أو جميع العبيد ، قال محمد يصدق ولا يحنث أبدا ، ودل إطلاقه على أنه يصدق ديانة وقضاء لأنه نوى حقيقة كلامه يصدق ديانة وقضاء وإن كان فيه تخفيف على نفسه ، ومن [ ص: 160 ] مشايخنا من قال لا يصدق قضاء ; لأنه نوى حقيقة مهجورة ، والحقيقة المهجورة كالمجاز ، ولهذا يفتقر إلى النية كما لو قال : أنت طالق ونوى الطلاق من الوفاق ، فإنه يصدق ديانة لا قضاء ; لأنه نوى حقيقة مهجورة ونظير وقوعه أولا للواحد وانصرافه إلى الكل بالنية لو قال لامرأته أنت طالق يوم أكلم فلانا فإنه ينصرف ، أولا إلى مطلق الوقت حتى لو كلمه ليلا يحنث ; لأن الكلام مما لا يمتد ، ولو نوى النهار صدق ; لأنه نوى الحقيقة ، ولو نوى في الجنس عددا معينا لا يصدق لعدم دلالته على الجنس ; لأن الجنس فرد فالفردية مراعاة في الجملة ، أعني الواحد عند التعذر أو الكل عند عدمه أما الأول فظاهر وكذا الثاني ; لأنه فرد بالنسبة إلى باقي الأجناس ، وفي اعتبار العدد وإسقاط معنى التوحيد ، أما في الجمع إذا نوى فيه الكل أو العدد صدق فيهما ; لأنه مشتمل على العدد ، والفردية ليست بمعتبرة فيه . كذا في شرح تلخيص الجامع للفخر المارديني . وفي شرح الجامع العتابي : ولو قال نساء أو عبيدا فثلاث للجمع ; لأنها أقل الجمع الكامل ، وإن نوى أكثر من ذلك أو الجميع فهو على اختلاف المشايخ وإن نوى الواحد يصدق ; لأنه يحتمل قال الله تعالى { وإنا له لحافظون } وفيه تغليظ .