قيد بالآخرة إذ قد يجعل عذرا في أحكام الدنيا بقبول الذمة حتى لا يقتل ، وإن لم يجعل عذرا في الآخرة حتى يعاقب فيها كذا في شرح المنار لشرف بن كمال .
( 43 ) قوله : كجهل الكافر بصفات الله تعالى .
أقول الصواب كجهل الكافر [ ص: 298 ] بالله ورسله وهو الأقوى فإنه لا يصلح عذرا أصلا ; لأنه مكابرة وعناد بعد وضوح الدلائل على وحدانية الله تعالى وربوبيته بحيث لا يخفى على أحد من حدوث العالم المحسوس وكذا على حقية الرسول من القرآن وغيره من المعجزات وأورد بأن الكافر المعاند قد يعرف الحق كما قال الله تعالى { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا } ومثل هذا لا يكون جهلا وأجيب بأن معنى الجهل منهم عدم التصديق المفسر بالإذعان والقبول ورده بعض الأفاضل بأن الإذعان حاصل فيما ذكر ; لأنه قلبي وأجاب عن الإيراد بأن ترك الإقرار فيما يعرفه ويجحده جهل ظاهر وبحث فيه بعض الأفاضل بأن ترك الإقرار كالإقرار لساني كما أن الجهل كالعلم جناني فكيف يستقيم جعل ترك الإقرار من قبيل الجهل ؟ وأجاب المولى خسرو عليه الرحمة في شرح المرقاة إما بتخصيص المثال بجهل كافر غير معاند ، وإما بتعميمه بجهل المعاند وجعل تسمية فعله جهلا من قبيل تسمية السبب باسم المسبب ، فإن تركهم الإقرار وإظهارهم الإنكار مسبب عن جهلهم لوخامة عاقبة من ترك العمل بموجب علم تفيده البراهين القطعية فتدبر .
( 44 ) قوله : وجهل صاحب الهوى .
أي بصفات الله تعالى مثل جهل المجسمة والكرامية ، فإنهم قالوا بحدوث صفات الله - تعالى - مثل جهل الفلاسفة بالصفات حيث لا يثبتونها ويمتنون من إطلاق مثل العالم والقادر والسميع والبصير على البارئ تعالى تفاوتا عن التشبيه فإنهم لا يثبتون صفات الله - تعالى - حقيقية قائمة بذاته تعالى ويقولون عالم بلا علم وقادر بلا قدرة ومثل جهل صاحب الهوى في أحكام الآخرة مثل جهل بعض المعتزلة بعذاب القبر وسؤال منكر ونكير والميزان والصراط والحوض والشفاعة وهذا الجهل دون الأول لكون هذا الجاهل متأولا بالقرآن ، واعلم أن الزاهدي صرح بالاتفاق على عذاب القبر وبالرؤية والشفاعة لأهل الكبائر وعفو ما دون الكفر وعدم خلود الفساق في النار نقل ذلك عنه في المرآة شرح المرقاة .
[ ص: 299 ] قوله : وجهل الباغي إلخ .
وهو الذي خرج عن طاعة الإمام الحق ظانا أنه على الحق ، والإمام على الباطل بتأويل فاسد ، فإنه لا يصلح عذرا ; لأنه مخالف للدليل القاطع الواضح ، وهو أن إمام المسلمين إذا كان عادلا يكون على الحق لا يجوز مخالفته بالإجماع ، وإن لم يكن له تأويل فحكمه حكم اللصوص ، وعلى هذا قلنا الباغي إن أتلف مال العادل أو نفسه ولا منعة له يضمن ; لأنه مفيد لبقاء ولاية الإلزام لكونه مسلما ولا شوكة له بخلاف ما إذا كان له منعة حيث لا يضمن لخلوه عن الفائدة إذ ولاية الإلزام عليه منقطعة لشوكته فوجب العمل بتأويله الفاسد هذا إذا هلك المال في يده ، وإن كان قائما في يده وجب رده على صاحبه ; لأنه لم يملك ذلك بالأخذ ، والحاصل أن سقوط الضمان معلل بعلة ذات وصفين وهي المنعة مع التأويل فإذا انتفى أحدهما لا يسقط الضمان .