الفصل الثلاثون في ذكر موازاة الأنبياء في فضائلهم بفضائل نبينا ، ومقابلة ما أوتوا من الآيات بما أوتي عليه السلام
القول فيما أوتي إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام :
فإن قيل : فإن
إبراهيم خص بالخلة .
قلنا : قد اتخذ
محمد خليلا وحبيبا ، والحبيب ألطف من الخليل .
فإن قيل : فإن
إبراهيم حجب عن
نمروذ بحجب ثلاثة .
قلنا : قد كان كذلك ، وحجب
محمد صلى الله عليه وسلم عمن أراد قتله بخمسة حجب ، قال الله تعالى في أمره
وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون هذه ثلاثة ، ثم قال تعالى
وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ثم قال تعالى
فهي إلى الأذقان فهم مقمحون فهذه خمسة حجب .
فإن قيل : إن
إبراهيم قصم
نمروذ ببرهان نبوته فبهته ، قال الله تعالى
فبهت الذي كفر .
[ ص: 588 ] فمحمد صلى الله عليه وسلم أتاه المكذب بالبعث "
أبي بن خلف " بعظم بال يفركه وقال :
من يحيي العظام وهي رميم ، فأنزل الله عز وجل البرهان الساطع فقال
قل يحييها الذي أنشأها أول مرة الآية ، فانصرف مبهوتا ببرهان نبوته .
فإن قيل : إن
إبراهيم كسر أصنام قومه غضبا لله .
قيل :
محمد صلى الله عليه وسلم كسر ثلاثمائة وستين صنما نصبت حول الكعبة بإشارته باليمين ، فتساقطن وقد تقدم ذكره .
القول فيما أوتي موسى عليه السلام من العصا الخشب الموات التي جعلها الله حية ثعبانا تتلقف ما يأفك سحرة فرعون ثم تعود إلى معناها وخاصتها
فإن قيل : فإن
موسى عليه السلام جعل الله عصاه ثعبانا .
قلنا : فقد أوتي
محمد صلى الله عليه وسلم نظيرها وأعجب منها ، خوار الجذع اليابس وحنينه ، وقد تقدم هذا الحديث بطرقه . هذا أبلغ في الأعجوبة .
وأيضا إجابة الأشجار ، واجتماعهن لدعوته بما دعاهن ، ورجوعهن إلى أمكنتهن بعد أن أمرهن ، وهذا مما قد تقدم ذكره بطرقه .
فإن قلت : إن
موسى كان في التيه يضرب بعصاه الحجر فينفجر منه اثنتا عشرة عينا .
[ ص: 589 ]
قلنا : كان
لمحمد صلى الله عليه وسلم مثله وأعجب منه ، فإن نبع الماء من الحجر معهود في المعلوم والمتعارف ، وأعجب من ذلك نبع الماء من بين اللحم والعظم والدم ، وكان يفجر من بين أصابعه في مخضب فينبع من بين أصابعه الماء فيشربون ويستقون ماء جاريا عذبا ، روى العدد الكثير من الناس والخيل والإبل ، وهذا الباب قد تقدم ذكره بطرقه ، وما في معناه من نبع الماء .
فإن قيل : إن
موسى انفلق له البحر فجازه بأصحابه لما ضربه بعصاه .
قلنا : قد أوتي نظيره بعض أمته من بعده ، لأنه لم يحوج إلى اجتياز بحر ، وهو
nindex.php?page=showalam&ids=386العلاء بن الحضرمي ، لما كان
بالبحرين واضطر إلى عبور البحر ، فعبر هو وأصحابه مشيا على الماء ولم يبل لهم ثوب ، وقد تقدم ذكره .
فإن قيل : إن
موسى أتى قومه بالعذاب : الجراد والقمل ، والضفادع والدم على ما أخبر الله تعالى به .
قلنا : قد أرسل على
قريش في عهد النبي صلى الله عليه وسلم الدخان آية بينة ونقمة بالغة قال الله تعالى
فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم ودعا على
قريش فابتلوا بالسنين .
[ ص: 590 ]
فقال عليه السلام : اللهم أشدد وطأتك على
مضر واجعلها عليهم سنين كسنين
يوسف ، وقد تقدم ذكره .
فإن قيل : إن
موسى نزل عليه وعلى قومه المن والسلوى وظلل عليهم الغمام ، وإن المن والسلوى رزق رزقهم الله ، كفوا السعي فيه والاكتساب .
قلنا : أعطي
محمد صلى الله عليه وسلم وأمته ما هو أعظم منه مما كان محظورا على من تقدم من الأنبياء والأمم ، فأحل الله عز وجل له ولأمته الغنائم ولم تحل لأحد قبله ، وأعطي من جنسه أصحابه حين أصابتهم المجاعة في السرية التي بعثوا فيها ، فقذف لهم البحر عن دابة حوت ، فأكلوا منه ، وائتدموا شهرا ، مع أنه عليه السلام كان يشبع النفر الكثير من الطعام اليسير واللبن القليل ، حتى صدروا عنه شباعا ورواء ، وقد تقدم هذا الباب بطرقه .