لما قدم وفد إياد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيكم يعرف قس بن ساعدة الإيادي ؟ قالوا : كلنا نعرفه يا رسول الله ، قال : فما فعل ؟ قالوا : مات يا رسول الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رحم الله قس بن ساعدة ما أنساه ، وكأني أنظر إليه بسوق عكاظ في الشهر الحرام على جمل له أورق أحمر وهو يخطب الناس ، ويتكلم بكلام عليه حلاوة وهو يقول : أيها الناس اجتمعوا واستمعوا واحفظوا وعوا ، من عاش مات ، ومن مات فات ، وكل ما هو آت آت ، ليل داج ، وسماء ذات أبراج ، بحار تزخر ، ونجوم تزهر ، ومطر ونبات ، وآباء وأمهات ، وذاهب وآت ، وضوء وظلام ، وبر وآثام ، لباس ومركب ، ومطعم ومشرب ، إن في السماء لخبرا ، وإن في الأرض لعبرا ، مهاد موضوع ، وسقف مرفوع ، ونجوم تمور ، وبحار لا تغور ، أقسم قس قسما حقا ، لئن كان في الأرض رضا ليكون سخطا ، إن لله دينا هو أحب الأديان إليه من دينكم الذي أنتم عليه ، ما لي أرى الناس [ ص: 105 ] يذهبون ولا يرجعون ، أرضوا بالمقام هناك فأقاموا ، أم تركوا هناك فناموا ؟ ثم قال : أقسم قس قسما برا لا إثم فيه ما لله على الأرض دين هو أحب إليه من دين أظلكم إبانه ، وأدرككم أوانه ، طوبى لمن أدركه فاتبعه ، وويل لمن أدركه ففارقه ، ثم أنشأ يقول :
في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر لما رأيت مواردا
للموت ليس لها مصادر ورأيت قومي نحوها
تمضي الأصاغر والأكابر لا يرجع الماضي إلي
ولا من الباقين غابر أيقنت أني لا محالة
حيث صار القوم صائر
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله قس بن ساعدة ، لأرجو أن يأتي يوم القيامة أمة وحده .