صفحة جزء
70 - حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، قال : ثنا جعفر بن أحمد بن فارس ، قال : ثنا محمد بن حميد ، قال : ثنا سلمة بن الفضل ، قال : حدثني محمد بن إسحاق ، وثنا سليمان بن أحمد ، قال : ثنا أحمد بن إبراهيم القرشي ، قال : ثنا سليمان بن عبد الرحمن بن بشير الشيباني ، عن محمد بن إسحاق ، قال : حدثني من أثق به من علمائنا ، عمن حدثه من أهل اليمن : أن ملكا من لخم من أهل الملك الأول قبل حسان ذي نواس يقال له : " ربيعة بن نصر " ، رأى رؤيا فظع بها حين رآها ، وهالته ، وأنكرها ، فبعث إلى الحزأة من أهل الأرض من كان في مملكته من الكهان والمنجمين والعراف وقال لهم : قد رأيت رؤيا فظعت بها وهالتني ، فأخبروني عنها ، قالوا : أيها الملك ، اقصصها علينا نخبرك بتأويلها ، قال : إني إن أخبرتكم بها لم أطمئن إلى خبركم ، فقال رجل منهم : إن كان الملك يريد هذا ، فليبعث إلى " سطيح " و " شق " ، فإنهما يخبران عما أراد من ذلك ، فهما أعلم من نراه ، وكان " سطيح " رجلا من غسان ، وكان " شق " من بجيلة [ ص: 126 ] ، قال سلمة بن الفضل في حديثه : يقال له : سطيح الذئبي لنسبه إلى الذئب بن عدي ، وشق بن صعب بن يشكر بن رهم بن برانوك بن نذير بن قيس بن عبقر بن أنمار .

فلما قالوا له ذلك بعث إليهما ، فقدم إليه سطيح قبل شق ، ولم يكن في زمانهما مثلهما من الكهان ، فلما قدم سطيح قبل شق دخل عليه ، قال الملك : يا سطيح ، إني قد رأيت رؤيا هالتني ، وفظعت بها حين رأيتها ، وإنك إن تصفها قبل أن أخبرك تصب تأويلها ، قال : أفعل ، قال : رأيت حممة خرجت من ظلمة ، فوقعت بأرض تهمة ، فأكلت منها كل ذات جمجمة من العشاء إلى العتمة ، فقال الملك ، والله ما أخطأت من رؤياي ، فما عندك في تأويلها يا سطيح ؟ قال : أحلف بما بين الحرتين من حنش لينزلن أرضكم الحبش ، ويملكن ما بين أبين إلى جرش .

قال له الملك : وأبيك يا سطيح ، إن هذا لنا لغائظ موجع ، متى هو كائن يا سطيح ، في زماننا هذا ، أم بعده ؟ قال : بل بعده بحين ، أكثر من ستين إلى سبعين سنة يمضين ، قال له الملك : أفيقوم ، أو يدوم سلطانهم ، أم ينقطع ؟ قال : ينقطع لبضع وستين من السنين ، ثم يقتلون أجمعين [ ص: 127 ] ، ويخرجون هاربين ، فقال له الملك : ومن الذي يقتلهم ، ويلي إخراجهم ؟ قال : إنه ابن ذي يزن ، يخرج عليهم من عدن ، فلا يبقى منهم أحد في اليمن ، قال له الملك : أفيدوم ذلك من سلطانه ، أم ينقطع ؟ قال : ينقطع قال : ومن يقطعه ؟ قال : نبي زكي ، رضي ، وفي ، يأتيه الوحي من قبل الله تعالى العلي ، قال : وممن هذا النبي يا سطيح ؟ قال : من ولد لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر ، يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر ، قال : وهل للدهر من آخر ؟ قال : نعم ، يوم يجمع الله فيه الأولين ، والآخرين ، يشقى فيه المسيئون ، ويسعد فيه المحسنون ، قال : أحق ما تقول ؟ قال : نعم ، والشفق ، والغسق ، والفلق ، إن ما أنبأتك لحق .

فلما فرغ من عنده ، وقدم " شق " ، فقال له الملك مثل ما قال لسطيح ؛ لينظر أيتفقان أم يختلفان ، فقال شق : نعم أيها الملك ، رأيت حممة خرجت من ظلمة ، فوقعت في روضة ، وأكمة ، بأرض بهمة ، فأكلت منها كل نسمة ، صحيحة مسلمة ، ثم قال : أحلف بما بين الحرتين من إنسان ، لينزلن أرضكم السودان ، وليغلبن على كل طفلة البنان ، وليملكن ما بين أبين إلى نجران .

فقال الملك : يا شق ، وأبيك إن هذا لنا لغائظ موجع ، فمتى هو كائن ، في زماننا ، أو بعده ؟ قال : بعده بزمان ، ثم يستنقذكم منهم عظيم ذو شأن ، فيذيقهم أشد الهوان ، قال له الملك : ومن هو هذا العظيم الشأن ؟ قال : غلام ليس بدني ، ولا مدن ، يخرج من بيت ذي يزن ، قال : فهل يدوم سلطانه أو ينقطع ؟ قال : ينقطع برسول يأتي بحق [ ص: 128 ] وعدل ، من أهل الدين والفضل ، يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل ، قال : وما يوم الفصل يا شق ؟ قال : يوم يجزى فيه الولاة ، ويدعى فيه من السماء دعوات ، فيسمع الأحياء والأموات ، ويجتمع فيه الناس للميقات ، يكون فيه لمن اتقى الفوز والخيرات ، قال له الملك : ما تقول يا شق ؟ قال : ورب السماء والأرض ، وما بينهما من رفع وخفض ، إن ما أنبأتك لحق ما فيه من أمض ، فلما فرغ من مسألتهما جهز بنيه وأهل بيته إلى العراق ، وكتب لهما إلى ملك فارس ، وهو شابور ، فأسكنهم الحيرة " . [ ص: 129 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية