المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي

البيهقي - أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي

صفحة جزء
193 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ، ثنا أبو العباس الأصم ، أبنا الربيع ، أبنا الشافعي في كتاب الإقرار بالحكم الظاهر ، فذكر فصلا طويلا في رد الاجتهاد على غير أصل ، وذلك فيما احتج به قول الله تعالى وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فجعل الناس تبعا لهما لم يهملهم ، والاجتهاد ليس عينا قائمة ، إنما هو شيء يحدثه من نفسه ، ولم يؤمر باتباع نفسه إنما أمر باتباع غيره ، فإحداثه على الأصلين اللذين افترض الله عليه أولى به من إحداثه على غير أصل ، وذكر مثال ذلك : الكعبة من رآها صلى إليها ، ومن غاب عنها توجه إليها بالدلائل عليها لأنها الأصل ، فإن صلى غائبا عنها برأي نفسه بغير اجتهاد بالدلائل عليها كان مخطئا وكانت عليه الإعادة .

وقال رضي الله عنه : فجزاء مثل ما قتل من النعم والمثل للمقتول ، وقد يكون غائبا ، فإنما يجتهد على أصل الصيد المقتول ، فينظر إلى أقرب الأشياء به شبها فيهديه ، ومثل أذان ابن أم مكتوم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان رجلا أعمى ، لا ينادي حتى يقال له : أصبحت ، أصبحت ، فلو جاز الاجتهاد على غير أصل كان لابن أم مكتوم أن يؤذن بغير إخبار غيره له أن الفجر قد طلع ، ولكن لما لم تكن فيه آلة الاجتهاد على الأصل لم يجز اجتهاده [ ص: 182 ] حتى يخبره من قد اجتهد على الأصل ، ثم ساق الكلام إلى أن قال فإن قيل : فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدا أن يحكم في بني قريظة ، فحكم برأيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وافقت حكم الله فيهم " ؟ قيل هو مثل قول الله تعالى : وشاورهم في الأمر على معنى استطابة أنفس المستشارين ، أو المستشار منهم ، والرضى بالصلح على ذلك ، ووضع الحرب بذلك السبب لا أن برسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة إلى مشورة أحد ، والله يؤيده بنصره ، بل لله ولرسوله المن والطول على جميع خلقه .

فيحتمل أن يكون قوله له " احكم " على هذا المعنى .

أو يكون قد علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سنة في مثل هذا ، فحكم على مثلها ، أو يحكم فيوفقه الله لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم صواب ذلك ، فيقره عليه ، أو يعرف غير ذلك فيعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك بطاعة الله . قال : فإن قيل : فقد أكلوا الحوت بغير حضور النبي صلى الله عليه وسلم بلا أصل عندهم - يعني أصحاب أبي عبيدة - قيل : لموضع الضرورة والحاجة إلى أكله على أنهم ليسوا على يقين من حله ، ألا تراهم سألوا عن ذلك .

أو لا ترى أصحاب أبي قتادة في الصيد الذي صاده ، إذ لم يكن بهم حاجة إلى أكله أمسكوا ، إذ لم يكن عندهم أصل ، حتى سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك .

وذكر الشافعي - رضي الله عنه - لهم عند هذا من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث عماله وسراياه ، ويأمر الناس بطاعتهم وقد فعلوا برائهم .

ثم أجاب عنه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بطاعة الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ويأمر من أمر عليه أميرا (أن يطيعوه ما أطاع الله ، فإذا عصى الله فلا طاعة له عليهم ، وأنه كره لهم كل شيء فعلوه برأي أنفسهم من الحرق ، والقتل ، وأباح لهم كل ما عملوه مطيعين فيه لله ولرسوله ) .

فلو لم يكن لنا حجة في رد الاجتهاد على غير أصل ، إلا ما احتججت به أن النبي صلى الله عليه وسلم كره لهم ، ونهاهم عن كل أمر فعلوه برأي أنفسهم لكان فيه كفاية [ ص: 183 ] .

194 - قال الإمام أبو بكر البيهقي رضي الله عنه : والأحاديث التي أشار إليها الشافعي رضي الله عنه مخرجة في كتاب السنن في مواضعها .

195 - وقوله أمسكوا يريد به بعض من كان مع أبي قتادة .

[ ص: 184 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية