[ ص: 62 ] الفصل الأول .
73 - فلتقع البداية بمجال الإجماع في صفة أهل الاختيار ثم ننعطف على مواقع الاجتهاد والظنون .
فما نعلمه قطعا أن
النسوة لا مدخل لهن في تخير الإمام وعقد الإمامة ، فإنهن ما روجعن قط ، ولو استشير في هذا الأمر امرأة ; لكان أحرى النساء وأجدرهن بهذا الأمر
فاطمة - عليها السلام - ثم نسوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمهات المؤمنين ، ونحن بابتداء الأذهان نعلم أنه ما كان لهن في هذا المجال مخاض في منقرض العصور ومكر الدهور .
وكذلك لا يناط هذا الأمر بالعبيد ، وإن حووا قصب السبق في العلوم .
ولا تعلق له بالعوام الذين لا يعدون من العلماء وذوي الأحلام .
ولا مدخل لأهل الذمة في نصب الأئمة .
[ ص: 63 ] فخروج هؤلاء عن منصب الحل والعقد ليس به خفاء .
فهذا مبلغ العلم في هذا الفصل .
74 - فأما المظنون منه ، فقد ذهب طوائف من أئمة أهل السنة إلى أنه لا يصلح لعقد الإمامة إلا المجتهد المستجمع لشرائط الفتوى .
وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12604القاضي الباقلاني في عصب من المحققين إلى أنا لا نشترط بلوغ العاقد مبلغ المجتهدين ، بل يكفي أن يكون ذا عقل وكيس وفضل وتهد إلى عظائم الأمور ، وبصيرة متقدة بمن يصلح للإمامة ، وبما يشترط استجماع الإمام له من الصفات .
ونحن نوجه المذهبين بما يقع به الإقناع ، ثم نذكر ما يلوح لنا . إن شاء الله عز وجل .
75 - فأما من لم يستجمع خصال المفتين ، فنقول : الغرض تعيين قدوة وتخير أسوة ، وعقد الزعامة لمستقل بها ، ولو لم يكن المعين المتخير عالما بصفات من يصلح لهذا الشأن - لأوشك
[ ص: 64 ] أن يضعه في غير محله ، ويجر إلى المسلمين ضرارا بسوء اختياره ; ولهذا لم يدخل في ذلك العوام ، ومن لا يعد من أهل البصائر .
والنسوان لازمات خدورهن ، مفوضات أمورهن إلى الرجال القوامين عليهن ، لا يعتدن ممارسة الأحوال ، ولا يبرزن في مصادمة الخطوب بروز الرجال ، وهن قليلات الغناء فيما يتعلق بإبرام العزائم والآراء ، ولذلك ذهب معظم العلماء إلى أنهن لا يستقللن بأنفسهن في التزويج .
والعبيد - وإن كانت لهم آراء - مرعيون تحت استسخار السادة ، لا يتفرغون في غالب الأمر للبحث والتنقير ، وكأنهم مع إرادتهم الثاقبة لا رأي لهم .
76 - فأما الأفاضل المستقلون ، الذين حنكتهم التجارب ، وهذبتهم المذاهب ، وعرفوا الصفات المرعية فيمن يناط به أمر الرعية ، فهذا المبلغ كاف في بصائرهم ، والزائد عليه في حكم ما لا تمس الحاجة إليه في هذا المنصب .
وقد تمهد في قواعد الشرع أنا نكتفي في كل مقام بما يليق به من العلم ; فيكفي في المقوم العلم بالأسعار والدربة التامة مع
[ ص: 65 ] الكيس في صفات المقومات ، ويقع الاجتزاء في القسام بمعرفة الحساب والمساحة ، وكيفية تعديل السهام . ويراعى في الخارص ما يقتضيه حاله ، وإذا بعثنا إلى الزوجين ، وقد شجرت بينهما المنازعة ، ونشبت الخصومة والمدافعة ، واعتاص الظالم منهما حكمين كما أشعر به نص القرآن ، لم يشترط أن يكونا مجتهدين ، بل يكفي علمهما بحقوق النكاح ، وتفطنهما لعادات التعاشر ، وإحاطتهما بما يدق ويجل من هذا الفن .
فالفاضل ، الفطن ، المطلع على مراتب الأئمة ، البصير بالإيالات والسياسات ، ومن يصلح لها ، متصف بما يليق بمنصبه في تخير الإمام .
77 - وأما من شرط كون العاقد مفتيا ، فمعتصمه أنا نشترط أن يكون الإمام مجتهدا كما سيأتي في ذلك مشروحا - إن شاء الله عز وجل - في صفات الأئمة ، ولا محيط بالمجتهد إلا مجتهد ، فلو لم يكن المتخير العاقد مفتيا ، لم يطلع على تحقيق ذلك من الذي ينصبه إماما .
78 - وللأولين أن يقولوا : قد يظهر بالتسامع والإطباق من طبقات الخلق كون الشخص مجتهدا ، فليقع الاكتفاء بذلك .
[ ص: 66 ] والذي يوضح المقصد منه أن على المستفتي أن لا يعول فيما يبغيه من الأحكام إلا على من يراه مجتهدا ، وليس له أن يحل مسائله بكل من يتلقب باسم عالم ، فإذا أمكن أن يدرك ذلك عامي مستفت ، فما الظن بمرموق من أفاضل الناس ؟ ؟ .
79 - فقد ظهر أن الأقرب إلى التحقيق مسلك القاضي ومتبعيه .
80 - وأما ما نختاره : فلست أرى ذكره إلا في خاتمة الفصل الثاني المشتمل على ذكر عدد المختارين ، فإنه يتعلق بالفصلين .
81 - ولم نغفل ذكر الورع صدرا في الفصل عن ذهول ، بل رأيناه أوضح من أن يحتاج إلى الاهتمام بالتنصيص عليه ، فمن لا يوثق به في باقة بقل كيف يرى أهلا للحل والعقد ؟ ؟ وكيف ينفذ نصبه على أهل الشرق والغرب ؟ ؟ ومن لم يتق الله لم تؤمن غوائله ، ومن لم يصن نفسه لم تنفعه فضائله .
فقد نجز الفصل ، مختوما على التقدير بالمقطوع به في مقصوده ، مثنى بما هو من فن المجتهدات ، وقبيل المظنونات .