[ ص: 145 ] 217 - وقد ذكرنا في القسم المقطوع به أن
العاهد لو جعل الإمامة شورى بين محصورين صالحين للزعامة ، فالأمر ينحصر فيه ، والمستند القطعي فيه ما جرى لأمير المؤمنين
عمر - رضي الله عنه - إذ جعل الأمر فوضى بين الستة المشهورين . فإذا اتفق ذلك من إمام ، فتعيين واحد من المذكورين إلى من جعل الإمام التعيين إليه ، وإن لم يفوض التعيين إلى أحد ، فإلى أهل الاختيار أن يعينوا أفضل المذكورين ، كما سيأتي تفصيل القول في إمامة الفاضل والمفضول إن شاء الله عز وجل .
218 - ولو
رتب العاهد التولية في مذكورين صالحين للأمر ، فقال : ولي العهد فلان ، فإن مات في حياتي ففلان ، فإن اخترمته المنية قبل موتي ، ففلان ، فهذا صحيح ، وعهده متبع ، فإن ذكر صالحين للأمر ، ورأى أن يرتب مراتبهم ، فليس ما جاء به منافيا للنظر للمسلمين ، فلزم تنفيذه . وهذا متفق عليه لا خلاف فيه .
واستأنس الأئمة مع القطع بما كان من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمراء
[ ص: 146 ] جيش مؤتة ، فإنه قال صاحب الراية زيد بن حارثة ، فإن أصيب ، فجعفر بن أبي طالب ، فإن أصيب فعبد الله بن رواحة ، فإن أصيب فليرتض المسلمون رجلا منهم .
219 - ولو
قال العاهد : الإمام بعدي فلان ، ثم الإمامة بعده ، لفلان ، ثم الإمامة بعده لفلان ، فرتب الخلافة في مذكورين معينين للإمامة بعد وفاته ، فأما المعين للأمر أولا فتفضى الخلافة إليه ، فإن مات ، ففي إفضاء الخلافة إلى المذكورين بعده خلاف ، وليس ذلك كذكره مترتبين في حياته عند تقدير وفاتهم ، فإنهم يترتبون على تقديره مع استمرار سلطانه ، وامتداد زمانه ، وعلى هذه القضية كانت تولية أمراء جيش مؤتة .
[ ص: 147 ] 220 - وإذا
ذكر العاهد أولياء عهود بعد وفاته ، فأفضت الإمارة إلى الأول منهم ، فعهد هو إلى غير من ذكره العاهد الأول ، فالوجه عندي تقديم عهده على عهد من تقدمه ، فإنه لما أفضى إليه الأمر ، فقد صار الوالي المستقل بأعباء الإمامة . والعهد الصادر منه أحق بالإمضاء من عهد نبذه العاهد الأول وراء أيامه ، وبين منقرض زمانه وسلطانه ، وبين نفوذ عهده الثاني اعتقاب أيام ونوبة إمام .
221 - وذهب بعض من خاض في هذا الفن أن ترتيب عهد الإمام الأول لا يتبع بالنقض ، ولا يتعقب بالرفض . والصحيح ما اخترناه الآن ، من
تنفيذ عهد من أفضت إليه الخلافة ، ولو شعب مشعب هذه القواعد ، لكثرت المسائل وتضاعفت الغوائل ، ولا يكاد يخفى مدركها على ذوي البصائر في الشريعة . وما مهدناه مغن عن الإمعان والإبلاغ ، ففيه أكمل مقنع وبلاغ .
[ ص: 148 ] والذي يجب الاعتناء به تمييز المقطوع به عن المظنون ، ومستند القطع الإجماع ، فما اتفق ذلك فيه تعين فيه الاتباع ، وما لم نصادف فيه إجماعا عرضناه على مسالك النظر ، وأعملنا فيه طرق المقاييس ، وأرمينا فيه سبل الاجتهاد ، فهذا منتهى مقصدنا في استنابة الخليفة إماما بعده .