فصل .
حفظ ما حصل .
310 - وأما
اعتناء الإمام بسد الثغور ، فهو من أهم الأمور ، وذلك بأن يحصن أساس الحصون والقلاع ، ويستذخر لها بذخائر الأطعمة ، ومستنقعات المياه ، واحتفار الخنادق ، وضروب الوثائق ، وإعداد الأسلحة والعتاد ، وآلات الصد والدفع ، ويرتب في كل ثغر من الرجال ما يليق به . ولا ينبغي أن يكثروا فيجوعوا ، أو يقلوا فيضيعوا .
والمعتبر في كل ثغر أن يكون بحيث لو أتاه جيش ، لاستقل
[ ص: 212 ] أهله بالدفاع إلى أن يبلغ خبرهم الإمام ، أو من يليه من أمراء الإسلام . وإن رأى أن يرتب في ناحية جندا ضخما يستقلون بالدفع لو قصدوا ، ويشنون الغارات على أطراف ديار الكفار ، فيقدم من ذلك ما يراه الأصوب والأصلح ، والأقرب إلى تحصيل الغرض . والأصح معولا ، بعد جده على فضل ربه لا على جده .
311 - وأما نفض أهل الغرامة من خطة الإسلام ، ففيه انتظام الأحكام ، ولا تصفو نعمة عن الأقذاء ، ما لم يأمن أهل الإقامة والأسفار من الأخطار والأغرار ، فإذا اضطربت الطرق ، وانقطعت الرفاق ، وانحصر الناس في البلاد ، وظهرت دواعي الفساد ، ترتب عليه غلاء الأسعار ، وخراب الديار ، وهواجس الخطوب الكبار ، فالأمن والعافية قاعدتا النعم كلها ، ولا يهنأ بشيء منها دونها ; فلينتهض الإمام لهذا المهم ، وليوكل بذلك
[ ص: 213 ] الذين يخفون وإذا حزب خطب لا يتواكلون ، ولا يتجادلون ، ولا يركنون إلى الدعة والسكون ، ويتسارعون إلى لقاء الأشرار بدار الفراش إلى النار ، فليس للناجمين من المتلصصين مثل أن يبادروا قبل أن يتجمعوا أو يتألبوا ، وتتحد كلمتهم ، ويستقر قدمهم . ثم يندب لكل صقع من ذوي البأس من يستقل بكفاية هذا المهم .
312 - وإذا تمهدت الممالك ، وتوطدت المسالك ، انتشر الناس في حوائجهم ، ودرجوا في مدارجهم ، وتقاذفت أخبار الديار مع تقاصي المزار إلى الإمام ، وصارت خطة الإسلام كأنها بمرأى منه ومسمع ، واتسق أمر الدين والدنيا ، واطمأن إلى الأمنة الورى ، والإمام في حكم البذرقة في البلاد للسفرة والحاضرة ، فليكلأهم بعين ساهرة ، وبطشة قاهرة .