[
واجبات الإمام ]
[ يقدمها ( لنظام الملك ) ]
532 - وأذكر الآن ما على صدر الزمان من أحكام المليك الديان ، بعد أن أوضح ما إليه من مقاليد أمور أهل الإيمان ، فأقول :
قد قدمت في الأبواب المقدمة ما يتولاه الأئمة من أمور الإمامة ، وأوردته على صيغ التقاسيم ، وبلغت الكلام فيه قصارى الكشف والتتميم ، ولم أغادر لباحث منقلبا ، ولمستفصل مضطربا .
وأنا الآن أقول :
[ ص: 374 ] 533 - كل ما نيط بالأئمة مما مضى موضحا محصلا ، مجملا ومفصلا ، فهو موكول إلى رأي صدر الدين ، فإن الأئمة إنما تولوا أمورهم ، ليكونوا ذرائع إلى إقامة أحكام الشرائع ، فإذا فقدنا من يستجمع الصفات المرعية في المنصب الأعلى ، ووجدنا من يستقل بأمور المسلمين ، وينهض بأثقال العالمين ، ويحمل أعباء الدين ، ولو توانى فيها لانحلت من الإسلام شكائمه ، ولمالت دعائمه .
والغرض استصلاح أهل الإيمان على أقصى ما يفرض فيه الإمكان .
ولو
بغت فئة على الإمام المستجمع لخلال الإمامة ، وتولوا بعدة وعتاد ، واستولوا على أقطار وبلاد ، واستظهروا بشوكة واستعداد ، واستقلوا بنصب قضاة وولاة على انفراد واستداد ، فينفذ من قضاء قاضيهم ما ينفذ من قضاء قضاة الإمام القائم بأمور الإسلام .
534 - والسبب فيه أنه انقطع عن قطر البغاة من الإمام نظره ، إلى أن يتفق استيلاؤه وظفره ، فلو رددنا أقضيتهم لتعطلت أمور المسلمين ، وبطلت قواعد من الدين .
[ ص: 375 ] 535 - فإذا كان ينفذ
قضاء البغاة مع قيام الإمام ، فلأن ينفذ أحكام وزراء الإسلام ( 199 ) مع شغور الأيام أولى .
فهذا بيان ما إليه .
536 - فأما إيضاح ما عليه فأذكر فيه لفظا وجيزا محيطا بالمعنى ، حاويا للغرض والمغزى ، ثم أندفع بعد الإيجاز والضبط في طرق من البسط ، فأقول :
قد تقدم ما إلى الأئمة من الأحكام ، ووضح أن جميعها منوط برأي صدر الأيام وسيد الأنام ، فيأخذ ما عليه مما إليه ، فعليه بذل المجهود في إقامة ما إليه وهذا على إيجازه مشير إلى النهايات مشعر بالغايات .
ولكني أعرض على الرأي الأسمى كل أمر تمس إليه الحاجة ، وأوضح مسلكه ومنهاجه ، وأنتدب في بعض مجاري الكلام
[ ص: 376 ] محررا مقدرا ، وأشير إلى المغزى والمرام مذكرا ، وقد قال الله لسيد الأنبياء الأكرمين : (
وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) .
نعم . والتذكير ينزع صمام الصمم عن صماخ اللب ، ويقشع غمام الغمم عن سماء القلب .