الغياثي غياث الأمم في التياث الظلم

الجويني - أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني

صفحة جزء
[ ص: 400 ] [ صفات المفتي ]

571 - إن الصفات المعتبرة في المفتي ست :

أحدها - الاستقلال باللغة العربية ; فإن شريعة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - متلقاها ومستقاها الكتاب والسنن ، وآثار الصحابة ووقائعهم ، وأقضيتهم في الأحكام ، وكلها بأفصح اللغات وأشرف العبارات ، ولا بد من الارتواء [ من ] العربية ، فهي الذريعة إلى مدارك الشريعة .

572 - والثانية - معرفة ما يتعلق بأحكام الشريعة [ من ] آيات الكتاب ، والإحاطة بناسخها ومنسوخها ، عامها وخاصها ، وتفسير مجملاتها ; فإن مرجع الشرع وقطبه الكتاب .

573 - والثالثة - معرفة السنن ، فهي القاعدة الكبرى ; فإن معظم أصول التكاليف متلقى من أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وفنون أحواله ، ومعظم آي الكتاب لا يستقل دون بيان الرسول .

[ ص: 401 ] ثم لا يتقرر الاستقلال بالسنن إلا بالتبحر في معرفة الرجال ، والعلم بالصحيح من الأخبار والسقيم ، وأسباب الجرح والتعديل ، وما عليه التعويل في صفات الأثبات من الرواة والثقات ، والمسند والمرسل ، والتواريخ التي تترتب عليها استبانة الناسخ والمنسوخ .

وإنما يجب ما وصفناه في الأخبار المتعلقة بأحكام الشريعة ، وقضايا التكليف ، دون ما يتعلق منها بالوعد والوعيد ، والأقاصيص والمواعظ .

574 - والرابعة - معرفة مذاهب العلماء المتقدمين الماضين في العصر الخالية ، ووجه اشتراط ذلك أن المفتي لو لم يكن محيطا بمذاهب المتقدمين ، فربما يهجم فيما يجرئه على خرق الإجماع ، والانسلال عن ربقة الوفاق .

575 - والخامسة - الإحاطة بطرق القياس ومراتب الأدلة ; فإن المنصوصات متناهية مضبوطة ، والوقائع المتوقعة لا نهاية لها .

576 - والسادسة - الورع والتقوى ، فإن الفاسق لا يوثق بأقواله ، ولا يعتمد في شيء من أحواله .

[ ص: 402 ] 577 - وقد جمع الإمام المطلبي الشافعي - رضي الله عنه - هذه الصفات في كلمة وجيزة ، فقال :

" من عرف كتاب الله نصا واستنباطا استحق الإمامة في الدين " . .

578 - والتفاصيل التي قدمناها مندرجة تحت هذه الكلم ; فإن معرفة الكتاب تستدعي لا محالة العلم باللغة ; فإن من اقتصر على اتباع أقوال المفسرين وتحفظها كان مقلدا ولم يكن عارفا .

والشافعي [ - رضي الله عنه - ] اعتبر المعرفة والاستقلال بالأخبار الشرعية مندرج تحت معرفة الكتاب ، وكذلك العلم بمواقع الإجماع من أقوال العلماء المنقرضين ، والاستنباط الذي [ ذكره ] مشعر بالقياس ومعرفة ترتيب الأدلة .

ثم لم يتعرض للورع ، فإن قال : استحق الإمامة .

والأمر على ما ذكره ; فإن أراد أن يقبل قوله استمسك بالورع والتقوى واحترز ( 212 ) عن الإمامة العظمى لما قال : استحق الإمامة في الدين .

[ ص: 403 ] 579 - فهذا ما رأينا نقله من قول الأئمة في صفات المفتين ونحن نذكر ما هو المختار عندنا في ذلك . والله المستعان .

580 - فالقول الوجيز في ذلك : أن المفتي هو المتمكن من درك أحكام الوقائع على يسير من غير معاناة [ تعلم ] . وهذه الصفة تستدعي ثلاثة أصناف من العلوم :

581 - أحدها - اللغة والعربية ولا يشترط التعمق ، والتبحر فيها حتى يصير الرجل علامة العرب ، ولا يقع الاكتفاء [ بالاستطراف ] وتحصيل المبادئ والأطراف ، بل القول الضابط في ذلك أن يحصل من اللغة والعربية ، ما يترقى به عن رتبة المقلدين في معرفة الكتاب والسنة ، وهذا يستدعي منصبا وسطا في علم اللغة والعربية .

582 - والصنف الثاني - من العلوم الفن المترجم بالفقه ، [ ص: 404 ] ولا بد من التبحر فيه ، والاحتواء على قواعده ، ومآخذه ومعانيه .

ثم هذا الفن يشتمل على ما تمس الحاجة إليه من نقل مذاهب الماضين وينطوي على ذكر وجوه الاستدلال بالنصوص والظواهر من الكتاب ، ويحتوي على الأخبار المتعلقة بأحكام التكاليف مع الاعتناء . بذكر الرواة والصفات المعتبرة في الجرح والتعديل .

فإن اقتضت الحالة مزيد نظر في خبر ، فالكتب الحاوية على ذكر الصحيح والسقيم عتيدة ، ومراجعتها مع الارتواء من العربية يسيرة غير عسيرة ، وأهم المطالب في الفقه التدرب في مآخذ الظنون في مجال الأحكام ، وهذا [ هو ] الذي يسمى فقه النفس ، وهو أنفس صفات علماء الشريعة .

583 - والصنف الثالث من العلوم - العلم المشهور بأصول الفقه ، ومنه يستبان مراتب ( 213 ) الأدلة وما يقدم منها وما يؤخر ، ولا يرقى المرء إلى منصب الاستقلال .

دون الإحاطة بهذا الفن .

فمن استجمع هذه الفنون فقد علا إلى رتبة المفتين .

584 - والورع ليس شرطا في حصول منصب الاجتهاد ، فإن من رسخ في العلوم المعتبرة ، فاجتهاده يلزمه في نفسه أن يقتضي فيما [ ص: 405 ] يخصه من الأحكام موجب النظر . ولكن الغير لا يثق بقوله لفسقه .

585 - والدليل على وجوب الاكتفاء بما ذكرناه من الخصال شيئان : أحدهما - أن اشتراط المصير إلى مبلغ لا يحتاج معه إلى طلب وتفكر في الوقائع محال ، إذ الوقائع لا نهاية لها ، والقوة البشرية لا تفي بتحصيل كل ما يتوقع ، سيما مع قصر الأعمار ; فيكفي الاقتدار على الوصول إلى الغرض على يسير من غير احتياج إلى معاناة تعلم .

وهذا الذي ذكرناه يقتضي استعدادا واستمدادا من العلوم التي ذكرناها لا محالة .

586 - والثاني - أنا سبرنا أحوال المفتين من صحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأكرمين ، فألفيناهم مقتدرين على الوصول إلى مدارك الأحكام ، ومسالك الحلال والحرام ، ولكنهم كانوا مستقلين بالعربية ، فإن الكتاب نزل بلسانهم ، وما كان يخفى عليهم من فحوى خطاب الكتاب والسنة خافية ، وقد عاصروا صاحب الشريعة ، وعلموا أن معظم أفعاله وأقواله مناط الشرع ، واعتنوا على اهتمام [ ص: 406 ] صادق بمراجعته - صلى الله عليه وسلم - فيما كان يسنح لهم من المشكلات ، فنزل ذلك منهم منزلة تدرب الفقيه منا في مسالك الفقه .

587 - وأما الفن المترجم بأصول الفقه ، فحاصله نظم ما وجدنا من [ سيرهم ] وضم ما بلغنا من خبرهم ، وجمع ما انتهى إلينا من نظرهم ، وتتبع ما سمعنا من [ عبرهم ] ، ولو كانوا عكسوا الترتيب ، لاتبعناهم .

نعم . ما كان يعتني الكثير منهم بجمع ما بلغ الكافة من أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل كانت الواقعة تقع ، فيبحث عن كتاب الله ، فكان معظم الصحابة لا يستقل بحفظ القرآن ، ثم كانوا يبحثون عن الأخبار ، فإن لم يجدوها اعتبروا ، ونظروا ، وقاسوا .

588 - فاتضح أن المفتي منهم كان مستعدا لإمكان الطلب عارفا بمسالك النظر مقتدرا على مأخذ الحكم مهما عنت واقعة .

[ ص: 407 ] 589 - فقد تحقق لمن أنصف أن ما ذكرناه في صفات المفتين هو المقطوع به الذي لا مزيد عليه .

590 - وإنما بلائي كله حرس الله مولانا من ناشئة في الزمان شدوا طرفا من مقالات الأولين ، ركنوا إلى التقليد المحض ، ولم يتشوفوا إلى انتحاء درك اليقين ، وابتغاء ثلج الصدور ، فضلا عن أن يشمروا للطلب ، ثم ينجحوا أو يحققوا .

ثم إذا رأوا من لا يرى التعريج على التقليد ، ويشرئب إلى مدارك العلوم ، ويحاول الانتفاض من [ وضر ] الجهل ، نفروا نفار الأوابد ، ونخروا نخير الحمر المستنفرة ، وأضربوا عن إجالة الفكر والنظر ، وارجحنوا إلى المطاعن على من يحاول الحقائق ويلابس المضايق وقنعوا من منصب العلماء بالرد على من يبغي العلم والترقي عن الجهالات والبحث عن حقائق المقالات .

591 - ولم أجمع فصول هذا الكتاب مضمنة بمباحثي واختياراتي ، إلا ومعولي ثقابة رأي سيدنا ومولانا ، كهف الورى ، [ ص: 408 ] وسيد الدين والدنيا ، واتقاد قريحته المتطلعة على حجب المغمضات ، ومستور المعوصات ( 215 ) فهذا مبلغ في صفات المفتين مقنع إن شاء الله عز وجل .

592 - ولا يتم المقصد في هذا الفصل ، ما لم أمهد في أحكام الفتوى قاعدة يتعين الاعتناء بفهمها والاهتمام بعلمها وهو أن المستفتي يتعين عليه ضرب من النظر في تعيين المفتي الذي يقلده ويعتمده ، وليس له أن يراجع في مسائله كل متلقب بالعلم .

وقد ذكرت طرفا صالحا من ذلك في الكتاب ( النظامي ) ولست أعيد ما ذكرته في ذلك الكتاب ، ولكني آخذ في فن آخر لائق بهذا الكتاب ، فأقول :

593 - اختلفت مذاهب الأصوليين فيما على المستفتي من النظر فذهب القاضي أبو بكر الباقلاني رحمه الله في طائفة من المحققين إلى أن على المستفتي أن يمتحن من يريد تقليده ، وسبيل امتحانه أن يتلقن مسائل متفرقة تليق بالعلوم التي يشترط استجماع المفتي [ ص: 409 ] لها ويراجعه فيها ، فإن أصاب فيها غلب على ظنه كونه مجتهدا ويقلده حينئذ .

وإن تعثر فيها تعثرا مشعرا بخلوه عن قواعدها ، لم يتخذه قدوته وأسوته .

594 - وذهب بعض أئمتنا إلى أن ما ذكره القاضي لا يجب ولكن يكفي أن يشتهر في الناس استجماع الرجل صفات المجتهدين ، ويشيع ذلك شيوعا مغلبا على الظن .

وهؤلاء يقولون : ليس للمستفتي اعتماد قول المفتي ، فإن وصفه نفسه بذلك في حكم الإطراء والثناء ، وقول المرء في ذكر مناقب نفسه غير مقبول .

595 - والذي أختاره أن ما ذكره القاضي لا يتحتم ، والدليل عليه أن الذين كانوا يرفعون وقائعهم ، وينهون مسائلهم إلى أئمة الصحابة كانوا لا يقدمون على استفتائهم إلقاء المسائل ، والامتحان بها ، وكان ( 216 ) علماء الصحابة لا يأمرون عوامهم ومستفتيهم بأن يقدموا امتحان المقلدين .

596 - والذي أراه أن من ظهر ورعه من العلماء ، وبعد عن مظان [ ص: 410 ] التهم ، فيجوز للمستفتين اعتماد قوله إذا ذكر أنه من أهل الفتوى ، فنعلم أن الغريب كان يرد ويسأل من يراه من علماء الصحابة ، فكان ذلك مشتهرا مستفيضا من دأب الوافدين والواردين ، ولم يبد نكير من جلة الصحابة وكبرائهم .

فإذا كان الغرض حصول غلبة ظن المستفتي ، فهي تحصل باعتماد قول من ظهر ورعه ، كما تحصل باستفاضة الأخبار عنه .

وليس للمستفتي سبيل إلى الإحاطة بحقيقة رتبة المفتي مع عروه عن مواد العلوم ، سيما إذا فرض القول في غبي عري عن مبادئ العلوم ، والاستئناس بأطرافها .

597 - ومما يتعين ذكره أن من وجد في زمان مفتيا تعين عليه تقليده ، وليس له أن يرقى إلى مذاهب الصحابة .

وبيان ذلك أنه إذا ثبت مذهب أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - في واقعة ، وفتوى مفتي الزمان خالفت مذهبه فليس للعامي [ ص: 411 ] المقلد أن يؤثر تقديم مذهب أبي بكر [ الصديق ] من حيث إنه في عقده أفضل الخليفة بعد المرسلين عليهم السلام .

فإن الصحابة وإن كانوا صدور الدين ، وأعلام المسلمين ، ومفاتيح الهدى ومصابيح الدجى ، فما كانوا يقدمون تمهيد الأبواب ، وتقديم الأسباب للوقائع قبل وقوعها وقد كفانا البحث عن مذاهبهم الباحثون والأئمة المعتنون بنخل مذاهب الماضين ، فمن ظهر له وجوب اتباع مذهب الشافعي [ رضي الله عنه ] لم يكن له أن يؤثر مذهب أبي بكر [ رضي الله عنه ] على مذهب الشافعي ، وهذا متفق عليه ; إذ لولا ذلك ( 217 ) لتعين تقديم مذهب أبي بكر في كل مسألة نقل مذهبه فيها ، ثم مذهب عمر ، ثم هكذا على حسب ترتيبهم في المناقب والمراتب .

598 - فإذا وضح ذلك ، بنينا عليه معضلة من أحكام الفتوى ، وقلنا : من نظر من المستفتين نظرا يليق به - كما سبقت الإشارة إليه - فأداه نظره إلى تقليد إمام المسلمين الشافعي - رحمة الله عليه - ; [ ص: 412 ] ولكن كان في زمانه مفت مستجمع للشرائط المرعية ، وكانت فتواه قد تخالف مذهب الشافعي في بعض الوقائع ، فالمستفتي الذي اعتقد على الجملة اتباع الشافعي ( رحمه الله ) يقلد مفتي زمانه ، أم يتبع مذهب الشافعي [ رضي الله عنه ] ويتلقفه على حسب مسيس الحاجة من ناقليه ؟ .

599 - فنقول : أولا من ترقى إلى رتبة الفتوى واستقل بمنصب الاستبداد في الاجتهاد ، فلا يتصور في مطرد الاعتياد انطباق فتاويه واختياراته في جميع مسائل الشريعة على مذهب إمام من الأئمة ; فإن مسالك الاجتهاد وأساليب الظنون كثيرة ، وجهات النظر لا يحويها حصر .

600 - نعم يجوز أن يؤثر مفت قواعد الشافعي [ رضي الله عنه ] مثلا في وضع الأدلة والمآخذ الكلية ، ثم لا بد من اختلاف في تفاصيل النظر .

فالمستفتي إذا يعتمد مذهب الحبر الذي اعتقد تقدمه على من عداه ، أم يرجع إلى مفتي زمانه ؟ .

[ ص: 413 ] 601 - فقد يتجه في ذلك أن يرجع إلى مفتي دهره ، فإن الإمام الماضي ، وإن عظم قدره وعلا منصبه ، فهو من حيث تقدم وسبق ، ولم يلحقه هذا المستفتي ينزل منزلة [ أئمة ] الصحابة - رضي الله عنهم - بالإضافة إلى من بعدهم .

وقد ذكرنا أنه ليس للمستفتي أن يتتبع مذاهب الصحابة ( 218 ) والسبب فيه أن الأئمة المتأخرين أولى بالبحث عن مذاهب المتقدمين من المستفتين . كذلك مفتي الزمان في تفاصيل المسائل أحق بالبحث من المستفتي .

602 - ولئن كان ينقدح للمستفتي وجه من النظر في تقديم مذهب الشافعي ، فهو نظر كلي لا يلوح في تفاصيل المسائل ، ونظر المفتي في البحث والتنقير ، وتعيين جهات النظر في آحاد المسائل أصح وأوثق من ظن على الجملة لمستفت ، لا اختصاص له بالتفصيل . فهذا وجه .

603 - ويجوز أن يقول قائل : مذاهب الأئمة لا تنقطع [ ص: 414 ] بموتهم ، فكأن الشافعي [ رضي الله عنه ] وإن انقلب إلى رحمة الله تعالى حي ذاب عن مذهبه ، ولو فرضنا معاصرة هذا المستفتي الشافعي ، وقد خالفه المفتي الذي هو موجود في الزمان ، لكان المستفتي يتتبع مذهب الشافعي لا محالة .

604 - وليس ما ذكرناه خارما لما مهدناه من أن المستفتي لا يتبع مذهب الصحابة فإنهم - رضي الله عنهم - ما كانوا يضعون المسائل لتمهيد القواعد ، وتبويب الأبواب ، والمستفتي مأمور باتباع مسالك الباحثين الفاحصين عن أقاصيص المتقدمين وطرق الماضين .

605 - والشافعي من المتناهين في البحث عن المطالب ، ونخل المذاهب ، والاهتمام بالنظر في المناصب والمراتب ، ونظره في التأصيل والتفصيل ، والتنويع والتفريع - أغوص من نظر علماء الزمان ، ومجرد تاريخ التقدم والتأخر - مع القطع بأن المذاهب لا تزول بزوال منتحليها - لا أثر له .

فهذان وجهان متعارضان واحتمالان متقابلان ، ولا يبلغ القول في ذلك مبلغ القطع .

606 - والأوجه عندي أن يقلد المستفتي مفتي زمانه . ثم تحقيق [ ص: 415 ] القول في ذلك أن يقال : حق [ على ] المستفتي أن يستفتي ( 219 ) مفتي زمانه في هذه الواقعة التي فيها مخاضنا الآن ;فإنها مسألة لا يتضح فيها للشافعي - رضي الله عنه - تنصيص على مذهب ، فليقل لمفتي الزمان : معتقدي تقديم الشافعي ، وقد خالف مذهبك في المسألة التي دفعت إلى السؤال عنها مذهب الشافعي [ رضي الله عنه ] فما ترى لي في طريق الاستفتاء ؟ أأنزل على مذهب الشافعي ؟ أم أتبعك في فتواك ؟ ! .

607 - فإن أدى اجتهاد المفتي إلى تكليفه اتباعه ، اتبعه وقلده ، وإن أدى اجتهاده إلى تكليفه تقليد إمامه ألزمه ذلك ، ونقل له مذهب إمامه .

وهذا من الأسرار فليتأمله المنتهي إليه .

608 - وهذا فيه إذا كان للإمام المقدم مذهب منصوص عليه في المسألة . فأما إذا لم يصح [ له ] مذهب فليس إلا تقليد مفتي الزمان ، والله المستعان .

[ ص: 416 ] 609 - ولو أخذت في تفاصيل أحكام الفتوى ، لأطلت أنفاسي ، وفيها مجموعات معلقة عني ، ومصنفة لي ، فليطلبها من تتشوف همته إليها .

610 - وغرضي من هذا المجموع استقصاء القول في خلو الزمان عن المفتين ، وإنما ذكرت طرفا من صفات المفتين وأحكامهم ليتبين للناظر خلو الدهر عن المفتين عند خوضنا فيه والله ولي التوفيق ، وهو بإسعاف راجيه حقيق .

وقد نجز مقصدنا في المرتبة الأولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية