[ فصل ] في الغسل والوضوء .
690 - أصل طهارة الحدث غير معقول المعنى ، وكذلك آلتها
[ ص: 451 ] ومحلها وانقسامها إلى المغسول والممسوح ، فليس لها في الشرع قاعدة معنوية نعتمدها ، وإنما مرجعها إلى التوقيف .
691 - وقد اشتملت آية الوضوء على بيان بالغ فيه ، فليتخذها أهل الزمان مرجعهم ، في أصل الباب ، وسيتلى القرآن إلى فجر القيامة ، ثم الذي يقتضي الزمان الخالي عن الفقهاء ، وناقلي المذاهب ( 237 ) أن النية لا تجب على المتوضئ إذ ليس لها ذكر في الكتاب ، ولم ينقل الوضوء نقل القرب التي شرعت مقصودة للتقرب إلى الله [ تعالى ] ، بل نقلت نقل
[ ص: 452 ] الذرائع والمقدمات التي يقصد بها غيرها ، فليس في نقله المطلق على الاستفاضة والتواتر إشعار بالنية ، وليس في كتاب الله ما يتضمنها .
692 - وكذلك القول في التيمم ; فإن قيل : التيمم هو القصد ، فهلا أشعر لفظه بالنية ؟ قلنا : هو بمعنى : القصد ، ولكنه مربوط بالصعيد فيجب ، من مقتضاه القصد إلى التراب .
فهذا حكم النية في الزمان العاري عن ذكر الأدلة على اشتراط النية .
693 - ويجب على أهل الزمان بحكم الآية غسل ما ينطلق عليه اسم الوجه ، وليس في الآية ما يوجب غسل المرفقين فإنه قال : إلى المرافق ، فلئن لم يقتض إلى تحديدا [ وموجبه ] إخراج الحد عن المحدود فإنها لا تقتضي جمعا وضما ، أيضا ، فليس فيها اقتضاء غسل المرفقين كما ذهب إليه [ زفر ] .
694 - وكل ما لا يعقل معناه ، وأصله التوقيف ، فالرجوع فيه إلى لفظ الشارع فما اقتضى اللفظ وجوبه التزم ، ومالا يقتضي
[ ص: 453 ] اللفظ وجوبه ، فلا وجوب فيه ، لأن التكاليف إنما تثبت إذا تحقق ورود أمر المكلف . .
فإن قيل : هلا وجب الأخذ بالأحوط ؟ قلنا : لم يتأسس في قواعد الشرع أن ما شك في وجوبه ، وجب الأخذ بوجوبه نعم ما ذكره السائل مأخذ الاحتياط المندوب إليه في الشريعة .
695 - فأما
غسل الرجلين ، فأخذه من فحوى الخطاب معوص مع اختلاف القراء في قوله تعالى : ( وأرجلكم ) بالكسر والنصب . ولكن القول في هذه المرتبة مبني على بقاء القواعد الكلية من الأذكار ، ودروس تفاصيل المذاهب ، ونقل غسل الرجلين عن الرسول ، وصحبه متواتر ونسبة المصير إلى المسح إلى الشيعة مستفيض ، ومثل هذا لا يتصور اندراسه مع توفر الدواعي على نقل القواعد .
فإن فرض زوال القواعد عن الذكر ، وقع الكلام في المرتبة الرابعة
[ ص: 454 ] على ما سيأتي مشروحا . إن شاء الله [ تعالى ] .
696 - فالذي تحصل من هذا الباب أنه يتبع ما بقي من الأذكار ، ويستمسك بآية الوضوء ، وما لم يعلم وجوبه ، ولم يشعر به كتاب الله ، فهو محطوط عن أهل الزمان ; فإن التكليف لا يتوجه إلا مع العلم بتوجهه .
697 - فإن قيل : أليس غلبات الظنون مناط [ معظم ] الأحكام ؟ فهلا قلتم ما غلب على ظن المسترشد - في خلو الزمان عن الفقهاء - وجوبه وجب عليه الأخذ بوجوبه ؟ .
قلنا : هذا قول من يقنع بظواهر الأشياء ، ولا ينبغي التوصل إلى الحقائق ، فليعلم المنتهي إلى هذا الموضع أنا نعلم وجوب العمل بموجب خبر الواحد ، والقياس في مرتبته على شرطه ، ويستحيل في مقتضى العقول أن يفيد ظن علما ، ووجوب العمل بموجب الخبر الذي نقله متعرضون للخطأ معلوم ، والخبر في نفسه مظنون ، وكذلك القول في القياس .
[ ص: 455 ] 698 - فالعلم بوجوب العمل غير مترتب على عين الخبر والقياس ، ولكن قام الدليل القاطع على وجوب العمل عند ثبوت الخبر والقياس ، فالذي اقتضى العلم بالعمل الدليل الدال على العمل بهما ، كما يستقصى في فن الأصول .
فالخبر والقياس يعمل عندهما ، ويعلم ذلك بالدليل المقتضي وجوب العمل عند ثبوتهما .
699 - فإذا لم يعلم والمكلف في الزمان العري عن جملة التفاصيل موجبا ، [ فكيف ] يعلم وجوبا ؟ وظنه الذي لا مستند له من تحقيق ما ( 239 ) انتصب في الشرع علما انتصاب ظنون المجتهدين في أساليب الأقيسة ، ومعظم أصناف الظنون مطرحة ، لا احتفال بها .
700 - فقد تقرر ما حاولناه لكل فطن ، ووضح أن تعذر الوصول إلى العلم بما كان واجبا في العصور المشتملة على العلماء ، ينزل منزلة تعذر وقوع بعض الأعمال بالعجز عنه .