[ ص: 456 ] فصل في
التيمم وما في معناه
701 - التيمم رخصة لا تحتمل معنى مستدركا ، وإنما المتبع فيها موارد التوقيف ، فما ظهر في العصر من التيمم على تحقيق وثبت اتبع . وما لم يظهر مقتضيه لم تثبت الرخصة بظنون العوام ، وهذا يطرد في الرخص كلها .
وقد قدمنا الآن أن ظن العامي لا يبالى به فيما يجول في مثله قياس العالم المجتهد ، والأقيسة من المجتهدين لا جريان لها في معظم أبواب الرخص ، فكيف تثبت الرخص بظنون لا أصل لها ؟ .
702 - والذي يجب الاعتناء به في هذا الفصل أن المكلف إذا فعل عند إعواز الماء ما علمه ، وقد وضح أنه لا يجب عليه ما لم يعلم وجوبه ، فإذا صلى على حسب العلم والإمكان ، ولم يكن محيطا بأن هذه الصلاة في تفصيل المذاهب مما تقضى عند زوال الأعذار أم لا ، فالذي يقتضي الأصل الكلي أنه لا يجب القضاء ، لأنه أدى ما كلف ، وقام بما تمكن منه .
[ ص: 457 ] 703 - وقد صار إلى ذلك طوائف من العلماء في تفصيل المذاهب منهم
المزني . ويعزى ذلك إلى
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رضي الله عنه - وهو خارج على حكم القاعدة المعتبرة في خلو العصر عن العلماء بالتفاصيل ، فإن القضاء لا يوجبه الأمر بالأداء ; إذ الأمر بالأداء لا يشعر إلا به وإذا لم يتفق امتثاله في الوقت المضروب له ، كان موجب الأمر مقتضيا فوات المأمور به ، وليس في صيغته التعرض للقضاء ، وهذا معنى قول المحققين : لا يجب القضاء إلا بأمر مجدد ، فإذا أدى المكلف ما استمكن منه ، ولم يعلم أمرا بالقضاء ، ولم يشعر به الأصل فإيجاب القضاء من غير علم به ، لا وجه له لما سبق تقريره .
704 - ومما نذكره متصلا بذلك أنه لو فتر الزمان وشغر ، كما فرضناه ، وقام المكلفون على مبلغ علمهم بما عرفوه ، [ ثم ] قيض الله تعالى ناشئة من العلماء ، وأحيا بهم ما دثر من العلوم ، فالذي أراه أنهم لا يوجبون القضاء على الذين أقاموا في زمان الفترة [ ما ]
[ ص: 458 ] تمكنوا منه ، فإن مما تمهد في الشريعة أن من تطرق الخلل إلى صلاته بسبب عذر نادر دائم كالمستحاضة ، فإن الاستحاضة تندر ، وإذا وقعت دامت وامتدت في الغالب ، فلو شفيت لم [ يلزمها ] قضاء الصلوات التي أقامتها مع استمرار الاستحاضة .
وتقدير خلو الدهر عن حملة للشريعة اجتهادا ونقلا نادر في التصوير والوقوع جدا ، ولو فرض والعياذ بالله كان تقدير عود العلماء أبدع من كل بديع فليلحق ذلك بالنادر الدائم . فهذا منتهى غرضنا في هذا الفن .
705 - ولا حاجة بنا إلى ذكر المسح على الخفين فإنه من قبيل الرخص ، وقد قدمنا في الرخص كلها أصلا ممهدا فليتبع في جميعها ذلك الأصل .