كتاب الصلاة
723 - هذا كتاب عظيم الموقع في الشرع ، لم يتشعب أصل في التكاليف تشعبه ، ولم يتهذب بالمباحث قطب من أقطاب الدين تهذبه ، والسبب فيه أنه من أعظم شعائر الإسلام ، والناس على
[ ص: 468 ] تاراتهم وتباين طبقاتهم مواظبون على إقامة وظائف الصلوات ، مثابرون على رعاية الأوقات ، باحثون عما يتعلق بها من الشرائط والأركان والهيئات .
فهي لذلك لا تندرس على ممر الدهور ، ولا يمحق ذكر أصولها عن الصدور .
وليس يليق بهذا الكتاب ( 246 ) ذكر أصولها وفروعها ومسائلها ، والتنبيه على مغمضاتها وغوائلها فإنها مستقصاة في فن الفقه ، وإنما يتعلق بهذا الفن من الكلام فصل واحد جامع ، يحوي جميع الغرض .
ونحن نستاقه على ما ينبغي - إن شاء الله عز وجل - مفرعا من الأصول التي قدمناها في كتاب الطهارة . فنقول :
724 - ما استمر في الناس العلم بوجوبه فإنهم يقيمونه ، وما ذهب عن ذكر أهل الدهر جملة ، فلا تكليف عليهم فيه ، وسقوط ما عسر الوصول إليه في الزمان لا يسقط الممكن ; فإن من الأصول
[ ص: 469 ] الشائعة التي لا تكاد تنسى ، ما أقيمت أصول الشريعة أن المقدور عليه لا يسقط بسقوط المعجوز عنه .
725 - وإن اعترض في هذا الدهر شيء ، اختلف العلماء في وجوبه ، كالطمأنينة في الركوع والسجود ، وعلم بنو الزمان الاختلاف ، ولم يحيطوا بأصحاب المذاهب ، أو أحاطوا بهم ، ولكن كان درس تحقيق صفاتهم ، وتعذر على المسترشدين النظر في أعيان المقلدين على ما يليق باستطاعتهم في تخير الأئمة .
فما يقع كذلك ، فقد تعارض القول بالوجوب فيه [ ونفي ] الوجوب فما كان كذلك فقد يظن الفطن أنه يتعين [ الأخذ ] بالوجوب بناء على أن من شك فلم يدر أثلاثا صلى الظهر [ أم ] أربعا ، فإنه يأخذ بالثلاث المستيقنة ، ويصلي ركعة أخرى ، ويكون الشك في ركعة من ركعات الصلاة كالشك في إقامة أصل الصلاة وليكن هذا رأي بعض الأئمة .
726 - وليس هذا المسلك متفقا عليه بين علماء الشريعة .
[ ص: 470 ] والنظر في هذا من دقيق القول في فروع الفقه ، فإذا كان بناء الكلام على شغور الزمان عن العلم بالتفاصيل ، فليس يليق بهذا الزمان تأسيس الكلام على ( 247 ) مظنون فيه في دقيق الفقه ، فإن ظن العامي لا معول عليه ، وقد تعذر سبيل تأسيس التقليد ، وتخير المفتي ، فالوجه القطع بسقوط وجوب ما لم يعلم أهل الزمان وجوبه .
وإن اعترضت صورة تعارض فيها إمكان التحريم والوجوب ولم يتأت الوصول إلى الإحاطة بأحدهما ، فهذا مما يسقط التكليف فيه رأسا كما سبق تقريره في أحكام الحيض المختلط بالاستحاضة . فهذا يتعلق بأهل الزمان الذي وصفناه .
727 - ومما نجريه في ذلك أنه إذا
جرى في الصلاة ما أشكل أنه يفسد الصلاة أم لا ، فقد يخطر للناظر أن الأصل المرجوع إليه بقاء وجوب الصلاة إلى أن يتحقق براءة الذمة منها .
ولكن الذي يجب الجريان عليه في حكم الزمان المشتمل على ذكر القواعد الكلية مع التعري عن التفاصيل الجزئية أن القضاء لا يجب ;
[ ص: 471 ] فإن التفاصيل إذا درست ، لم يأمن مصل عن جريان ما هو من قبيل المفسدات في صلاته ولكن المؤاخذة بهذا [ شديدة ] ثم لا يأمن قاض في عين قضائه عن قريب مما وقع له في الأداء ، والأصول الكلية قاضية بإسقاط القضاء فيما هذا سبيله .
ونحن نجد لذلك أمثلة مع الاحتواء على أصول الشريعة وتفاصيلها فإن من ارتاب في أن الصلاة التي مضت هل كانت على موجب الشرع ؟ وهل استجمعت شرائط الصحة ؟ وهل اتفق الإتيان بأركانها في إبانها ؟ فلا مبالاة بهذه الخطرات إذ لا يخلو من أمثالها مكلف ، وإن بذل كنه جهده ، وتناهى في استفراغ جده .
ثم لا يسلم القضاء من الارتياب الذي فرض وقوعه في الأداء .
728 - فالذي ينبني الأمر في عرو الزمان عن ذكر التفاصيل أن لا يؤاخذ ( 248 ) أهل الزمان بما لا يعلمون وجوبه جملة باتة .
729 - ومما يهذب به غرضنا في هذا الفن أنه لو طرأ على الصلاة ما يعلم المصلي أنه يقتضي سجود السهو ، فإنه يسجد ولو استراب في أنه هل يقتضي السجود ، وكان محفوظا في الزمان أن
[ ص: 472 ] ترك سجود السهو لا يبطل الصلاة ، والسجود الزائد عمدا من غير مقتض يبطل الصلاة ، فالذي يقتضيه هذا الأصل أن لا يسجد المستريب .
وإن كان هذا الأصل منسيا في الزمان ، فسجد المستريب ، لم نقض ببطلان صلاته ، فإنه لم يزد سجودا عامدا .
وهذا يلتحق بأطراف الكلام فيما يطرأ على الصلاة ولا يدري المصلي أنه مفسد لها .
ولو فرض مثل هذا في الزمان المشتمل على العلم بالتفاصيل ، وكان [ سجد ] رجل ظانا أنه مأمور بالسجود ، ففتوى معظم العلماء أنه لا تبطل صلاته . فهذا منتهى غرضنا من كتاب الصلاة .