[ ص: 69 ] بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين
الحمد لله الذي شيد منار الدين وأعلامه ، وأوضح للخلق شرائعه وأحكامه ، وبعث صفوته وخصائص أوليائه المصطفين لتبليغ رسالته من أنبيائه يدعون إلى توحيده ، وترك ما خالفه من الملل ؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، وختم الدعوة بنبينا
محمد - صلى الله عليه وسلم - سيد المرسلين ، وفضله على من سبق وغبر من الأولين والآخرين ، وجعل شريعته مؤيدة إلى يوم الدين ، ووكل بحفظها من الصحابة والتابعين ، من تقوم به الحجة ، وترتفع بقوله الشبهة ، وهم الفقهاء الذين ألزمهم حراسة شريعته ، والتفقه في دينه ، فقال تبارك وتعالى (
كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ) .
وقال سبحانه : (
وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) .
فجعلهم فرقتين ، أوجب على إحداهما الجهاد في سبيله ، وعلى
[ ص: 70 ] الأخرى التفقه في دينه ؛ لئلا ينقطع جميعهم إلى الجهاد ؛ فتندرس الشريعة ، ولا يتوفروا على طلب العلم ؛ فيغلب الكفار على الملة ، فحرس بيضة الإسلام بالمجاهدين ، وحفظ شريعة الإيمان بالمتعلمين ، وأمر بالرجوع إليهم في النوازل ، ومسألتهم عن الحوادث ، فقال عز وجل : (
فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) .
وقال تعالى : (
ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) .
وقال سبحانه وتعالى : (
أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) .
وبين أن
العلماء هم الذين يخشون ربهم فقال : (
إنما يخشى الله من عباده العلماء ) .
وجعلهم خلفاء في أرضه ، وحجته على عباده ، واكتفى بهم عن بعثة نبي ، وإرسال نذير ، وقرن شهادتهم بشهادته ، وشهادة ملائكته ، فقال : (
شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم ) .
وقال : (
هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) .
ثم
بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسنته فرض العلم على أمته ، وحث على تعلم القرآن وأحكامه ، والسنن وموجباتها ، والنظر في الفقه واستنباط [ ص: 71 ] الدلائل ، واستخراج الأحكام ، وأنا أذكر مما روي عنه عليه السلام في ذلك ما يحدو ذا الرأي الأرشد ، والطريق على التفقه في دين الله ، والنظر في أحكامه والاجتهاد في تعلم ذلك ، وحفظه ، ودراسته ، وأذكر من أصول الفقه ، وتثبيت الحجاج ، ومحمود الرأي ومذمومه ، وكيفية الاجتهاد ، وترتيب أدلته ، والآداب التي ينبغي أن يتخلق بها الفقيه والمتفقه ، واستعمالهما الهدى ، والوقار ، والخشوع ، والإخبات في تعلمهما وتعليمهما ، ومما يلزم الفقيه المجتهد والمتفقه المسترشد ، ويجب عليهما ، ويستحب لهما ، ويكره منهما ، ما يتبين نفعه لمن فهمه ، ووفق للعمل به إن شاء الله تعالى .
[ ص: 72 ]