فإن قال جاهل فكيف أحترز مع أمر القدر قلنا وكيف لا يحترز مع أمر المقدر وقد قال الله تعالى: (
خذوا حذركم ) وقد اختفى النبي صلى الله عليه وسلم في الغار وقال
لسراقة: "اخف عنا" واستأجر دليلا إلى
المدينة ولم يقل أخرج على التوكل وما زال ببدنه مع الأسباب وبقلبه مع المسبب. وقد أحكمنا هذا الأصل فيما تقدم. وقول
nindex.php?page=showalam&ids=11969أبي حمزة فنوديت من باطني هذا من حديث
النفس الجاهلة التي قد استقر عندها بالجهل أن التوكل ترك التمسك بالأسباب لأن الشرع لا يطلب من الإنسان ما نهاه عنه وهلا نافره باطنه في مديده وتعليقه بذلك المتدلى إليه وتمسكه به فإن ذلك أيضا نقض لما دعاه من ترك الأسباب الذي يسميه التوكل لأنه أي فرق بين قوله أنا في البئر وبين تمسكه بما تدلى عليه لا بل هذا آكد لأن الفعل آكد من القول فهلا سكت حتى يحمل بلا سبب. فإن قال هذا بعثه الله لي. قلنا: والذي جاز على البئر من بعثه واللسان المستغيث من خلقه فإنه لو استغاث كان مستعملا للأسباب التي خلقها الله تعالى لينتفع بها للدفع عنه فلم يستمعها وإنما بسكوته عطل الأسباب التي خلقها الله تعالى له ودفع الحكمة فصح لومه على ترك السبب. وأما تخليصه بالأسد فإن صح هذا فقد يتفق مثله ثم لا ينكر أن الله تعالى يلطف بعبده إنما ينكر فعله المخالف للشرع.
أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=14986أبو منصور القزاز ، نا
أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت ، ثنا
عبد العزيز بن أبي الحسن قال سمعت
علي بن عبد الله بن جهضم المكي يقول: ثنا
الخالدي قال: قال
الجنيد قال لي
محمد السمين: كنت في طريق
الكوفة بقرب الصحراء التي بين
قباء والصخرة التي تفريقنا منها والطريق منقطع فرأيت على الطريق جملا قد سقط ومات وعليه سبعة أو ثمانية من السباع تتناهش لحمه يحمل بعضها على بعض فلما
[ ص: 296 ] أن رأيتهم كأن نفسي اضطربت وكانوا على قارعة الطريق. فقالت لي نفسي تميل يمينا أو شمالا فأبيت عليها إلا أن آخذ على قارعة الطريق فحملتها على أن مشيت حتى وقفت عليهم بالقرب منهم كأحدهم ثم رجعت إلى نفسي لأنظر كيف فإذا هي الروع معي قائم فأبيت أن أبرح وهذه صفتي فقعدت بينهم ثم نظرت بعد قعودي فإذا الروع معي فأبيت أن أبرح وهذه صفتي فوضعت جنبي فنمت مضطجعا فتغاشاني النوم. فنمت وأنا على تلك الهيئة والسباع في المكان الذي كانوا عليه فمضى بي وقت وأنا نائم فاستيقظت فإذا السباع قد تفرقت ولم يبق منها شيء وإذا الذي كنت أجده قد زال فقمت وأنا على تلك الهيئة فانصرفت.