ذكر تلبيسه على الجاهلية
قال المصنف: ذكرنا كيف لبس عليهم في عبادة الأصنام، ومن أقبح تلبيسه عليهم في ذلك
تقليد الآباء من غير نظر في دليل، كما قال الله عز وجل (
وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ) المعنى أتتبعونهم أيضا.
وقد لبس إبليس على طائفة منهم فقالوا بمذاهب
الدهرية، وأنكروا الخالق، وجحدوا البعث، وهؤلاء الذين قال الله سبحانه فيهم: (
ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ) ، وعلى آخرين منهم: فأقروا بالخالق، لكنهم جحدوا الرسل والبعث. وعلى آخرين منهم: فزعموا أن الملائكة بنات الله. وأمال آخرين منهم إلى مذهب اليهود، وآخرين إلى مذهب المجوس، وكان في
بني تميم منهم
زرارة بن جديس التميمي ، وابنه
حاجب. [ ص: 61 ] وممن كان يقر بالخالق والابتداء والإعادة والثواب والعقاب
عبد المطلب بن هاشم ،
وزيد بن عمرو بن نفيل ،
وقس بن ساعدة ،
وعامر بن الظرب. وكان
عبد المطلب إذا رأى ظالما لم تصبه عقوبة قال: تالله إن وراء هذه الدار لدارا يجزى فيها المحسن والمسيء، ومنهم
زهير بن أبي سلمى ، وهو القائل:
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر ليوم الحساب أو يعجل فينقم
ثم أسلم، ومنهم
زيد الفوارس بن حصن ، ومنهم
القلمس بن أمية الكنائي ، كان يخطب بفناء
الكعبة، وكانت العرب لا تصدر عن مواسمها حتى يعظها ويوصيها، فقال يوما: يا معشر العرب، أطيعوني ترشدوا، قالوا: وما ذاك؟ قال إنكم تفردتم بآلهة شتى، إني لأعلم ما الله بكل هذا راض، وأن الله رب هذه الآلهة، وأنه ليحب أن يعبد وحده، فتفرقت عنه العرب لذلك; ولم يسمعوا مواعظه. وكان فيهم قوم يقولون: من مات فربطت على قبره دابته وتركت حتى تموت حشر عليها، ومن لم يفعل ذلك حشر ماشيا، وممن قاله
عمرو بن زيد الكلبي. وبنى جماعة من القدماء بيوتا كانت للأصنام، فمنها بيت على رأس جبل
بأصبهان كانت فيه أصنام أخرجها
كوشتاسب لما تمجس، وجعله بيت نار. والبيت الثاني والثالث في أرض
الهند. والرابع بمدينة
بلخ بناه
ينوشهر ، فلما ظهر الإسلام خربه أهل
بلخ. والخامس بيت
بصنعاء بناه
الضحاك على اسم الزهرة، فخربه
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان رضي الله عنه. والسادس بناه
قابوس الملك على اسم الشمس بمدينة
فرغانة، فخربه
المعتصم.
وذكر
يحيى بن بشير بن عمير النهاوندي أن شريعة
الهند وضعها لهم رجل برهمي، ووضع لهم أصناما، وجعل لهم أعظم بيوتهم بيتا
بالميلتان، (وهي مدينة من مداين السند ) وجعل فيه صنمهم الأعظم الذي هو كصورة الهيولى الأكبر، وهذه المدينة فتحت في أيام
الحجاج ، وأرادوا قلع الصنم، فقيل لهم: إن تركتموه ولم تقلعوه جعلنا لكم ثلث ما يجتمع له من مال، فأمر
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان بتركه،
فالهند تحج إليه من ألفي فرسخ، ولا بد للحاج أن يحمل معه دراهم على قدر ما يمكنه من مائة إلى عشرة آلاف لا يكون أقل من هذا، ولا أكثر، ومن لم يحمل معه ذلك لم يتم حجه، فيلقيه في صندوق عظيم هناك، ويطوفون بالصنم، فإذا ذهبوا
[ ص: 62 ] قسم ذلك المال: فثلثه للمسلمين، وثلثه لعمارة المدينة وحصونها، وثلثه لسدنة الصنم ومصالحه.
قال الشيخ
أبو الفرج رحمه الله:
فانظر كيف تلاعب الشيطان بهؤلاء، وذهب بعقولهم، فنحتوا بأيديهم ما عبدوه، وما أحسن ما عاب الحق سبحانه وتعالى أصنامهم، فقال: (
ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها ) وكانت الإشارة إلى العباد; أي أنتم تمشون، وتبطشون، وتبصرون، وتسمعون، والأصنام عاجزة عن ذلك وهي جماد، وهم حيوان، فكيف عبد التام الناقص؟ ولو تفكروا لعلموا أن الإله يصنع الأشياء، ولا يصنع ويجمع، وليس بمجموع، وتقوم الأشياء به، ولا يقوم بها، وإنما ينبغي للإنسان أن يعبد من صنعه لا ما صنعه، وما خيل إليهم أن الأصنام تشفع فخيال ليس فيه شبهة يتعلق بها.