فصل: قال المصنف:
والتهبت جمرة الباطنية المتأخرين في سنة أربع وتسعين وأربعمائة فقتل السلطان جلال الدولة ، بركياروق خلقا منهم لما تحقق مذهبهم فبلغت عدة القتلى ثلاثمائة ونيفا وتتبعت أموالهم فوجد لأحدهم سبعون بيتا من اللآلئ المحفور وكتب بذلك كتاب إلى الخليفة فتقدم بالقبض على قوم يظن فيهم ذلك المذهب ولم يتجاسر أحد أن يشفع في أحد لئلا يظن ميله إلى ذلك المذهب، وزاد تتبع العوام لكل من أرادوا وصار كل من في نفسه شيء من إنسان يرميه بهذا المذهب فيقصيه وينتهب ماله وأول ما عرف من أحوال
[ ص: 107 ] الباطنية في أيام الملك
شاه جلال الدولة أنهم اجتمعوا فصلوا صلاة العيد في ساوة ففطن بهم الشحنة فأخذهم وحبسهم ثم أطلقهم. ثم اغتالوا مؤذنا من أهل ساوة فاجتهدوا أن يدخل معهم فلم يفعل فخافوه أن ينم عليهم فاغتالوه فقتلوه فبلغ الخبر إلى نظام الملك فتقدم يأخذ من يتهم فيقتله فقتل المتهم وكان نجارا وكانت أول فتكة لهم فتكهم بنظام الملك وكانوا يقولون قتلتم منا نجارا فقتلنا به نظام الملك واستفحل أمرهم بأصبهان فلما مات الملك شاه وآل الأمر إلى أنهم كانوا يسرقون الإنسان ويقتلونه ويلقونه في البئر وكان الإنسان إذا دنا وقت العصر ولم يعد إلى منزله أيسوا منه. وفتش الناس المواضع فوجدوا امرأة في دار لا تبرح فوق حصير فأزالوها فوجدوا تحت الحصير أربعين قتيلا. فقتلوا المرأة وأحرقوا الدار والمحلة. وكان يجلس رجل ضرير على باب الزقاق الذي فيه هذه الدار، فإذا مر إنسان سأله أن يقوده خطوات إلى الزقاق فإذا حصل هناك جذبه من في الدار واستولوا عليه، فجد المسلمون في طلبهم
بأصبهان وقتلوا منهم خلقا كثيرا، وأول قلعة تملكها
الباطنية قلعة في ناحية يقال لها
الروزباد من نواحي
الديلم وكانت هذه القلعة لقماح صاحب ملك شاه وكان يستحفظها متهما بمذهب القوم، فأخذ ألفا ومائتي دينار وسلم إليهم القلعة في سنة ثلاث وثمانين في أيام ملك شاه وكان مقدمها
nindex.php?page=showalam&ids=14106الحسن بن الصباح وأصله من
مرو وكان كاتبا للرئيس
عبد الرازق بن بهرام إذ كان صبيا ثم إلى
مصر وتلقى من دعاتهم المذاهب وعاد داعية القوم ورأسا فيهم وحصلت له هذه القلعة وكانت سيرته في دعاته ألا يدعوا إلا غبيا لا يفرق بين يمينه وشماله مثلا ومن لا يعرف أمور الدنيا ويطعمه الجوز والعسل والشونيز حتى ينبسط دماغه ثم يذكر له حينئذ ما تم على أهل بيت المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعليهم من الظلم والعدوان حتى يستقر ذلك في نفسه ثم يقول إذا كانت الأزارقة
والخوارج سمحوا بنفوسهم في قتال
بني أمية فما سبب بخلك بنفسك في نصرة إمامك فيتركه بهذه المقالة طعمة للسيف وكان ملك شاه قد أرسل إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16915ابن الصباح يدعوه إلى الطاعة ويتهدده إن خالفه ويأمره بالكف عن بث أصحابه لقتل العلماء والأمراء فقال في جواب الرسالة والرسول حاضر الجواب ما تراه ثم قال لجماعة وقوف بين يديه أريد أن أنقذكم إلى مولاكم في حاجة فمن ينهض لها
[ ص: 108 ] فاشرأب كل منهم لذلك فظن رسول السلطان أنها رسالة يحملها إياهم فأومأ إلى شاب منهم فقال له اقتل نفسك فجذب سكينة وضرب بها غلصمته، فخر ميتا وقال لآخر ارم نفسك من القلعة فألقى نفسه فتمزق ثم التفت إلى رسول السلطان فقال أخبره أن عندي من هؤلاء عشرين ألفا هذا حد طاعتهم لي وهذا هو الجواب، فعاد الرسول إلى السلطان ملك شاه فأخبره بما رأى فعجب من ذلك وترك كلامهم وصارت بأيديهم قلاع كثيرة ثم قتلوا جماعة من الأمراء والوزراء
قال المصنف: وقد ذكرنا من صفة القوم في التاريخ أحوالا عجيبة فلم نر التطويل بها هنا.