فصل وقد
لبس إبليس على أقوام من المحكمين في العلم والعمل من جهة أخرى فحسن لهم الكبر بالعلم والحسد للنظير والرياء لطلب الرياسة فتارة يريهم أن هذا كالحق الواجب لهم، وتارة يقوي حب ذلك عندهم فلا يتركونه مع علمهم بأنه خطأ، وعلاج هذا لمن وفق إدمان النظر في إثم الكبر والحسد والرياء وإعلام النفس أن العلم لا يدفع شر هذه المكتسبات بل يضاعف عذابها لتضاعف الحجة بها، ومن نظر في سير السلف من العلماء العاملين استقر نفسه فلم يتكبر. ومن عرف الله لم يراء ومن لاحظ جريان أقداره على مقتضى إرادته لم يحسد.
وقد يدخل إبليس على هؤلاء بشبهة ظريفة فيقول: طلبكم للرفعة ليس بتكبر إنكم نواب الشرع فإنكم تطلبون إعزاز الدين ودحض أهل البدع وإطلاقكم اللسان في الحساد غضب للشرع إذ الحساد قد ذموا من قام به وما تظنونه رياء فليس برياء لأن من تخاشع منكم وتباكى اقتدى به الناس كما يقتدون بالطبيب إذا احتمى أكثر من اقتدائهم بقوله إذا وصف.
وكشف هذا التلبيس: أنه لو تكبر متكبر على غيرهم من جنسهم وصعد في المجلس فوقه أو قال حاسد عنه شيئا لم يغضب هذا العالم لذلك كغضبه لنفسه وإن كان المذكور من نواب الشرع فعلم أنه إنما لم يغضب لنفسه بل للعلم.
وأما الرياء فلا عذر فيه لأحد ولا يصلح أن يجعل طريقا لدعاية الناس، وقد كان
nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب السختياني إذا حدث بحديث فرق ومسح وجهه وقال: ما أشد الزكام،
[ ص: 127 ] وبعد هذا
فالأعمال بالنيات والناقد بصير وكم من ساكت عن غيبة المسلمين إذا اغتيبوا عنده فرح قلبه وهو آثم بذلك من ثلاثة أوجه أحدها الفرح فإنه حصل بوجود هذه المعصية من المغتاب والثاني لسروره بثلب المسلمين والثالث أنه لا ينكر.