صفحة جزء
97 - وذكر أبو عمر بن عبد البر حديث مالك في الموطإ (عن) ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، وأبي عبد الله الأغر ، جميعا عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى [ ص: 186 ] سماء الدنيا ، حين يبقى ثلث الليل فيقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له " وقال : هذا حديث ثابت من جهة النقل ، صحيح الأسانيد ، لا يختلف أهل الحديث في صحته ، وهو منقول من طرق سوى هذه من أخبار العدول ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه دليل على أن الله تعالى في السماء على العرش ، من فوق سبع سماوات ، كما قالت الجماعة ، وهو من حجتهم على المعتزلة في قولهم : إن الله بكل مكان ، قال : والدليل على صحة قول أهل الحق قول الله عز وجل : الرحمن على العرش استوى [ ص: 187 ] ، وقوله تعالى : ثم استوى على العرش ، وقوله سبحانه : أأمنتم من في السماء ، وقال : إليه يصعد الكلم الطيب ، وقال : يخافون ربهم من فوقهم ، وقال : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه [ ص: 188 ] ، وقال : تعرج الملائكة والروح إليه ، وقال : وهو القاهر فوق عباده ، وقال لعيسى : إني متوفيك ورافعك إلي ، وقال : بل رفعه الله إليه ، وقد أخبر الله تعالى في موضعين من كتابه عن فرعون أنه قال : يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا ، يعني : أظن موسى كاذبا في أن له إلها في السماء ، هذه الآية تدل على أن موسى كان يقول : إلهي في السماء ، وفرعون يظنه كاذبا . قال : ومن الحجة أيضا في أنه على العرش فوق السموات السبع: أن الموجودين أجمعين من العرب والعجم ، إذا كربهم أمر ، ونزلت بهم شدة ، رفعوا وجوههم إلى السماء ، ونصبوا أيديهم ، رافعين لها ، مشيرين بها إلى السماء ، يستغيثون الله ربهم تبارك وتعالى . وهذا أشهر وأعرف عند الخاصة والعامة من (أن) يحتاج أكثر من حكايته ، لأنه اضطرار لم يوقفهم عليه أحد ، ولا أنكره عليهم مسلم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للأمة التي أراد مولاها عتقها ، وكانت عليه رقبة مؤمنة ، فاختبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن قال لها : أين الله ؟ فأشارت إلى السماء ، وقال لها : من أنا ؟ قالت : رسول الله . قال : اعتقها فإنها مؤمنة فاكتفى [ ص: 189 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم برفع رأسها إلى السماء ، واستغنى بذلك عما سواه .

التالي السابق


الخدمات العلمية