ابن قتيبة 515 - قال الإمام العلم
أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري - صاحب التصانيف الشهيرة - في كتابه في "مختلف الحديث":
"نحن نقول في قول الله تعالى: ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ) ، أنه معهم يعلم ما هم عليه، كما يقول الرجل وجهته إلى بلد شاسع: احذر التقصير فإني معك، يريد أنه لا يخفى علي تقصيرك.
وكيف يسوغ لأحد أن يقول إن الله سبحانه بكل مكان، على الحلول فيه، مع قوله: (
الرحمن على العرش استوى ) ، ومع قوله: (
إليه يصعد الكلم الطيب ) كيف يصعد إليه شيء هو معه؟ وكيف تعرج الملائكة والروح إليه وهي معه؟.
قال:
ولو أن هؤلاء رجعوا إلى فطرتهم، وما ركبت عليه ذواتهم من معرفة الخالق; لعلموا أن الله - عز وجل - هو العلي وهو الأعلى، وأن الأيدي ترفع بالدعاء إليه، والأمم كلها عجميها وعربيها، تقول: إن الله في السماء، ما تركت على فطرها.
قال: وفي الإنجيل: أن
المسيح - عليه السلام - قال للحواريين: إن أنتم غفرتم للناس فإن أباكم الذي في السماء يغفر لكم ظلمكم، انظروا إلى الطير فإنهن لا يزرعن ولا يحصدن، وأبوكم الذي في السماء هو يرزقهن". ومثل هذا في الشواهد كثير.
* قلت: قوله "أبوكم" كانت هذه الكلمة مستعملة في عبارة
عيسى والحواريين، وفي المائدة : (
وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه ) . فالأبوة
[ ص: 197 ] والبنوة في قولهم لم يكونوا يريدون بها الولادة أصلا، بل يعنون به يحبهم ويربهم ويرأف بهم.
وهذه الكلمة لم تستعمل في لغة هذه الأمة; ولا ينبغي الآن إطلاقها فإنها قد هجرت، بل ونزل نص كتابنا بذمها حيث يقول: (
وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم ) . فإن صح أن
عيسى - عليه السلام - نطق بها، فلها محل غير ما ذم الله تعالى، فأما اليوم فلا نقر أحدا على إطلاقها والله أعلم.
مات
ابن قتيبة سنة ست وسبعين ومائتين .