صفحة جزء
أنبأنا عمرو بن محمد ، حدثنا الغلابي ، حدثنا مهدي بن سابق ، عن عطاء بن مصعب، قال: قال أبو عمرو المنذري: أتيت مسلم بن قتيبة في حاجة، وكان له صديق من أهل الشام، فكلمته أن يكلمه في حاجتي، فجعل يقول: اليوم، غدا، فطال علي، فتراءيت له، وقد كان يعرفني، فدعاني، فقال: أبا عمرو، إنك لها هنا؟ قلت: نعم، أطالبك بحاجة منذ كذا وكذا، وسيلتي فيها فلان، فضحك، وقال: قد كنت أراك قد أحكمت الآداب، لا تستعن إلى من تطلب إليه حاجة بمن له عنده طعمة؛ فإنه لا يؤثرك على طعمته، ولا تستعن بكذاب؛ فإنه يقرب لك البعيد، ويبعد لك القريب، ولا تستعن بأحمق؛ فإن الأحمق يجهد لك نفسه، ولا يكون عنده شيء، ولا يبلغ لك ما تريد، فانصرفت، فقلت: يكفيني هذا، قال: لا، ولكن تقضى لك حاجتك، فقضاها.

قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : لا يجب للعاقل أن يتوسل في قضاء حاجته بالعدو، ولا بالأحمق، ولا بالفاسق، ولا بالكذاب، ولا بمن له عند المسؤول طعمة، ولا يجب أن يجعل حاجتين في حاجة، ولا أن يجمع بين سؤال وتقاض، ولا يظهر شدة الحرص في اقتضاء حاجته؛ فإن الكريم يكفيه العلم بالحاجة دون المطالبة والاقتضاء.

[ ص: 251 ] ولقد أنشدني منصور بن محمد الكريزي:


وإذا طلبت إلى كريم حاجة فاصبر، ولا تك للمطال ملولا     لا تظهرن شره الحريص، ولا تكن
عند الأمور إذا نهضت ثقيلا



وأنشدني محمد بن إسحاق الواسطي العرزمي:


وإذا طلبت إلى كريم حاجة     فحضوره يكفيك والتسليم
فإذا رآك مسلما عرف الذي     حملته فكأنه ملزوم



قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : العاقل لا يتسخط ما أعطي، وإن كان تافها؛ لأن من لم يكن له شيء، فكل شيء يستفيده ربح، ولا يجب أن يسأل الحاجة كل إنسان، فرب مهروب منه أنفع من مستغاث إليه، ولا يجب أن يكون السائل متشفعا لآخر؛ لأن من لم يقدر على أن يسبح، فلا يجب أن يحمل على عنقه آخر، ومن سئل فليبذل؛ لأن مال المرء نصفان: له ما قدم، ولوارثه ما خلف، وأقرب الأشياء في الدنيا زوالا المال، والولاية، والتعاهد للصنيعة بالتحفظ عليها أحسن من ابتدائها، ومن غرس غراسا فلا يضنن بالنفقة على تربيته، فتذهب النفقة الأولى ضياعا.

التالي السابق


الخدمات العلمية