صفحة جزء
ذكر استحباب إفشاء السلام وإظهار البشر والتبسم

أنبأنا أحمد بن صالح الطبري ، حدثنا الفضل بن سهل الأعرج ، حدثنا محمد بن جعفر المدائني ، حدثنا ورقاء عن الأعمش ، عن زيد بن وهب عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن السلام اسم من أسماء الله، وضعه في الأرض، فأفشوه بينكم؛ فإن الرجل المسلم إذا مر بالقوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة بتذكيره إياهم بالسلام، فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب ".

قال أبو حاتم رضي الله عنه: الواجب على العاقل أن يلزم إفشاء السلام على العام; لأن من سلم على عشرة كان له عتق رقبة، والسلام مما يذهب إمشاؤه بالمكتن من الشحناء، وما في الخلد من البغضاء، ويقطع الهجران، ويصافي الإخوان.

والبادئ بالسلام بين حسنتين: إحداهما: تفضيل الله عز وجل إياه على المسلم عليه بفضل درجة، لتذكيره إياهم بالسلام، وبين رد الملائكة عليه عند غفلتهم عن الرد.

ولقد أنبأنا عمرو بن محمد الأنصاري ، حدثنا الغلابي ، حدثنا شعيب بن واقد ، حدثنا جرير، قال: قال زبيد اليامي " إن أجود الناس من أعطى مالا لا يريد جزاءه، وإن أحسن الناس عفوا من عفا بعد قدرة، وإن أفضل الناس من وصل من قطعه، وإن أبخل الناس من بخل بالسلام ".

أخبرنا أبو خليفة ، حدثنا محمد بن كثير أنبأنا سفيان ، عن أبي إسحاق عن [ ص: 75 ] صلة بن زفر العبسي، قال: حدثنا عمار بن ياسر قال " ثلاث من جمعهن جمع الإيمان: الإنفاق من الإقتار، والإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم ".

قال أبو حاتم رضي الله عنه: الواجب على المسلم إذا لقي أخاه المسلم أن يسلم عليه متبسما إليه فإن من فعل ذلك تحات عنهما خطاياهما كما تحات ورق الشجر في الشتاء إذا يبس، وقد استحق المحبة من أعطاهم بشر وجهه.

ولقد أخبرني محمد بن المهاجر المعدل ، حدثنا إبراهيم بن عبد السلام العنبري ، حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، حدثنا إسماعيل بن حماد ، عن سعيد بن الخمس قال: قيل له " ما أبشك؟ قال: إنه يقوم علي برخيص " وأنشدني الأبرش :


أخو البشر محبوب على حسن بشره ولن يعدم البغضاء من كان عابسا     ويسرع بخل المرء في هتك عرضه
ولم أر مثل الجود للمرء حارسا



قال أبو حاتم: البشاشة إدام العلماء وسجية الحكماء، لأن البشر يطفئ نار المعاندة، ويحرق هيجان المباغضة، وفيه تحصين من الباغي، ومنجاة من الساعي، ومن بش للناس وجها لم يكن عندهم بدون الباذل لهم ما يملك.

التالي السابق


الخدمات العلمية