[ ص: 51 ] بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
الحمد لله محلي
محاسن السنة المحمدية بدرر أخبارها، ومجلي ميامن السيرة النبوية عن غرر آثارها، ومؤيد من اقتبس نور هدايته من مشكاة أنوارها، ومسدد من التمس عز حمايته من أزرق سنانها وأبيض بتارها، ومسهل طريق الجنة لمن اتبع مستقيم صراطها، واهتدى بضياء منارها، ومذلل سبيل الهداية لمن اقتفى سرائر سيرها وسير أسرارها.
أحمده على ما أولى من نعم قعد لسان الشكر عن القيام بمقدارها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبلغنا من ميادين القبول غاية مضمارها، وتسوغنا من مشارع الرحمة أصفى مواردها وأعذب أنهارها، وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله الذي ابتعثه وقد طمت بحار الكفر بتيارها ، وطغت شياطين الضلال بعنادها وإصرارها، وعتت طائفة الأوثان وعبدة الأصنام على خالقها وجبارها، فقام بأمره حتى تجلت غياهب ظلمها عن سنا أبدارها، وجاهد في الله حق جهاده حتى أسفر ليل جهلها عن صباح نهارها. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين حازت نفوسهم الأبية من مراضيه غاية أوطارها ، وفازت من سماع مقاله ورواية أحواله ورؤية جلاله بملء مسامعها وأفواهها وأبصارها، وسلم تسليما كثيرا.
وبعد:
فلما وقفت على ما جمعه الناس قديما وحديثا من المجاميع في سير النبي صلى الله عليه وسلم ومغازيه
[ ص: 52 ] وأيامه إلى غير ذلك مما يتصل به، (لم أر إلا مطيلا مملا أو مقصرا بأكثر المقاصد مخلا; فالمطيل إما معتن بالأسماء والأنساب والأشعار والآداب، أو آخر يأخذ كل مأخذ في جمع الطرق والروايات، ويصرف إلى ذلك ما تصل إليه القدرة من العنايات. والمقصر لا يعدو المنهج الواحد، ومع ذلك فلا بد وأن يترك كثيرا مما فيه من الفوائد، وإن كانوا رحمهم الله هم القدوة في ذلك، ومما جمعوه يستمد من أراد ما هنالك، فليس لي في هذه المجموع إلا حسن الاختيار من كلامهم، والتبرك بالدخول في نظامهم، غير أن التصنيف يكون في عشرة أنواع كما ذكره بعض العلماء، فأحدها جمع المتفرقات وهو ما نحن فيه (فإني أرجو أن الناظر في كتابي هذا لا يجد ما ضمنته إياه في مكان ولا مكانين ولا ثلاثة ولا أكثر من ذلك إلا بزيادة كثيرة تتعب القاصد، ويتعذر بها على أكثر الناس المقاصد، فاقتضى ذلك أن جمعت هذه الأوراق، وضمنتها كثيرا مما انتهى إلي من نسب سيدنا ونبينا
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومولده، ورضاعه، وفصاله ، وإقامته في
بني سعد، وما عرض له هنالك من شق الصدر وغيره، ومنشئه وكفالة
عبد المطلب جده إياه إلى أن مات، وانتقاله إلى كفالة عمه
أبي طالب بعد ذلك، وسفره إلى
الشام ورجوعه منه، وما وقع له في ذلك السفر من إظلال الغمامة إياه، وإخبار الكهان والرهبان عن نبوته، وتزويجه
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة عليها السلام، ومبدأ البعث والنبوة ونزول الوحي، وذكر قوم من السابقين الأولين في الدخول في الإسلام، وما كان من الهجرتين إلى أرض
الحبشة، وانشقاق القمر، وما عرض له
بمكة من الحصار بالشعب، وأمر الصحيفة، وخروجه إلى
الطائف، ورجوعه بعد ذلك إلى
مكة، وذكر العقبة، وبدء إسلام
الأنصار، والإسراء والمعراج، وفرض الصلاة، وأخبار الهجرة إلى المدينة، ودخوله عليه الصلاة والسلام المدينة، ونزوله حيث
[ ص: 53 ] نزل، وبناء المسجد، واتخاذ المنبر، وحنين الجذع، ومغازيه وسيره وبعوثه، وما نزل من الوحي في ذلك، وعمره، وكتبه إلى الملوك، وإسلام الوفود، وحجة الوداع، ووفاته صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك.
ثم أتبعت ذلك بذكر أعمامه وعماته وأزواجه وأولاده وحليته وشمائله وعبيده وإمائه ومواليه وخيله وسلاحه، وما يتصل بذلك مما ذكر العلماء في ذلك على سبيل الاختصار والإيجاز سالكا في ذلك ما اقتضاه التاريخ من إيراد واقعة بعد أخرى، لا ما اقتضاه الترتيب من ضم الشيء إلى شكله ومثله، حاشا ذكر أزواجه وأولاده عليه الصلاة والسلام فإني لم أسق ذكرهم على ما اقتضاه التاريخ، بل دخل ذلك كله فيما أتبعت به باب المغازي والسير من باب الحلى والشمائل، ولم أستثن من ذلك إلا ذكر تزويجه عليه الصلاة والسلام
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة; لما وقع في أمرها من أعلام النبوة.