صفحة جزء
وقال ابن عائذ: وأقبل نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي على فرس له ليوثبه الخندق، فوقع في الخندق فقتله الله تعالى، وكبر ذلك على المشركين، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا نعطيكم الدية على أن تدفعوه إلينا فندفنه. فرد إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه خبيث، خبيث الدية، فلعنه الله ولعن ديته، ولا نمنعكم أن تدفنوه، ولا أرب لنا في ديته". وقيل: أعطوا في جثته عشرة آلاف.

قال ابن إسحاق: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني عاصم بن عمر ، عن الزهري إلى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، وإلى الحارث بن عوف المري، وهما قائدا غطفان، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه، فجرى بينه وبينهما الصلح، حتى كتبوا الكتب، ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة في ذلك، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل، بعث إلى سعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة يذكر ذلك لهما، واستشارهما فيه، فقالا: يا رسول الله أمرا تحبه فنصنعه، أم شيئا أمرك الله به لا بد لنا من العمل به، أم شيئا تصنعه لنا؟ قال: "بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا أني [ ص: 92 ] رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما". فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلا قرى أو بيعا، فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟ ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف، حتى يحكم الله بيننا وبينهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأنت وذاك". فتناول سعد الصحيفة، فمحا ما فيها من الكتاب. ثم قال: ليجهدوا علينا، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، وعدوهم محاصرهم، ولم يكن بينهم قتال، إلا أن فوارس، من قريش، منهم عمرو بن عبد ود ، وعكرمة بن أبي جهل ، وهبيرة بن أبي وهب ، وضرار بن الخطاب ، تلبسوا للقتال، ثم خرجوا على خيلهم، حتى مروا بمنازل بني كنانة، فقال: تهيؤوا يا بني كنانة للحرب، فستعلمون من الفرسان اليوم، ثم أقبلوا تعنق بهم خيلهم، حتى وقفوا على الخندق، فلما رأوه قالوا: والله إن هذه لمكيدة، ما كانت العرب تكيدها. ثم تيمموا مكانا من الخندق ضيقا، فضربوا خيلهم، فاقتحمت منه، فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع، وخرج علي بن أبي طالب في نفر معه من المسلمين، حتى أخذوا عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم، وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم. وكان عمرو بن عبد ود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة، فلم يشهد يوم أحد، فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه، فلما وقف هو وخيله قال: من يبارز؟ فبرز له علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

التالي السابق


الخدمات العلمية