وقدم على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في شعبان سنة عشر وفد خولان ، وهم عشرة ، فقالوا : يا رسول الله ، نحن على من وراءنا من قومنا ، ونحن مؤمنون بالله ، عز وجل ، مصدقون برسوله ، قد ضربنا إليك آباط الإبل ، وركبنا حزون الأرض وسهولها ، والمنة لله ولرسوله علينا ، وقدمنا [ ص: 337 ] زائرين لك ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : "أما ما ذكرتم من مسيركم إلي فإن لكم بكل خطوة خطاها بعير أحدكم حسنة ، وأما قولكم زائرين لك فإنه من زارني بالمدينة كان في جواري يوم القيامة" ، قالوا : يا رسول الله ، هذا السفر الذي لا توى عليه . ثم قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : "ما فعل عم أنس ؟" - وهو صنم خولان الذي كانوا يعبدونه - قالوا : بشر ، بدلنا الله ما جئت به ، وقد بقيت منا بعد بقايا من شيخ كبير وعجوز كبيرة متمسكون به ، ولو قد قدمنا عليه هدمناه إن شاء الله ، فقد كنا منه في غرور وفتنة . فقال لهم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : "وما أعظم ما رأيتم من فتنته ؟" ، قالوا : لقد رأيتنا وأسنتنا حتى أكلنا الرمة ، فجمعنا ما قدرنا عليه ، وابتعنا مائة ثور ، ونحرناها لعم أنس قربانا في غداة واحدة ، وتركناها تردها السباع ، ونحن أحوج إليها من السباع ، فجاءنا الغيث من ساعتنا ، ولقد رأينا العشب يواري الرجال ، ويقول قائلنا : أنعم علينا عم أنس .
وذكروا لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ما كانوا يقتسمون لصنمهم هذا من أنعامهم وحروثهم ، وأنهم كانوا يجعلون من ذلك جزءا له وجزءا لله بزعمهم ، قالوا : كنا نزرع الزرع ، فنجعل له وسطه ، فنسميه له ، ونسمي زرعا آخر حجرة لله ، فإذا مالت الريح بالذي سميناه لله جعلناه لعم أنس ، وإذا مالت الريح بالذي جعلناه لعم أنس لم نجعله لله . فذكر لهم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أن الله ، عز وجل ، أنزل عليه في ذلك : ( وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا . . . ) الآية ، قالوا : وكنا نتحاكم إليه فنكلم ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : "تلك الشياطين تكلمكم" .