حجة الوداع
قال الفقيه الحافظ
أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الفارسي ، رحمه الله : أعلم عليه الصلاة والسلام الناس أنه حاج ، ثم أمر بالخروج معه ، فأصاب الناس
بالمدينة جدري أو حصبة منعت من شاء الله تعالى أن تمنع من الحج معه ، فأعلم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أن
عمرة في رمضان تعدل حجة .
وخرج رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إلى
مكة عام حجة الوداع التي لم يحج من
المدينة ، منذ هاجر ، عليه الصلاة والسلام ، إليها غيرها ، فأخذ على طريق الشجرة ، وذلك يوم الخميس لست بقين من ذي القعدة سنة عشر ، نهارا ، بعد أن ترجل وادهن ، وبعد أن صلى الظهر
بالمدينة، وصلى العصر من ذلك اليوم
بذي الحليفة ليلة الجمعة ، وطاف تلك الليلة على نسائه ثم اغتسل ، ثم صلى بها الصبح ، ثم طيبته
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، أم المؤمنين ، رضي الله عنها ، بيدها ، بذريرة ، وبطيب فيه مسك ، ثم أحرم ولم يغسل الطيب ، ثم لبد رأسه ، وقلد بدنته نعلين ، وأشعرها في جانبها الأيمن ، وسلت الدم عنها ، وكانت هدي تطوع ، وكان ، عليه الصلاة والسلام ، ساق الهدي مع نفسه ، ثم ركب راحلته ، وأهل حين انبعثت به من عند المسجد ، مسجد ذي الحليفة ، بالقران بالعمرة والحج معا ، وذلك قبل الظهر بيسير ، وقال للناس
بذي الحليفة : "من أراد منكم أن يهل بعمرة وحج فليفعل ، ومن أراد أن يهل بحج فليهل ، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل" . وكان معه ، عليه الصلاة والسلام ، من الناس جموع لا يحصيهم إلا خالقهم ورازقهم ، عز وجل .
[ ص: 360 ]
ثم
لبى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقال : "لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك" . وقد روي أنه ، عليه الصلاة والسلام ، زاد على ذلك ، فقال : "لبيك إله الخلق" . وأتاه
جبريل ، صلى الله عليه وسلم ، وأمره أن يأمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية .
وولدت
nindex.php?page=showalam&ids=116أسماء بنت عميس الخثعمية - زوج
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق ، رضي الله عنهما -
nindex.php?page=showalam&ids=15302محمد بن أبي بكر ، فأمرها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أن تغتسل وأن تستثفر بثوب ، وتحرم وتهل .
ثم نهض ، عليه الصلاة والسلام ، وصلى الظهر بالبيداء ، ثم تمادى ، واستهل هلال ذي الحجة ليلة الخميس ليلة اليوم الثامن من خروجه من
المدينة ، فلما كان بسرف حاضت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، رضي الله عنها ، وكانت قد أهلت بعمرة ، فأمرها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أن تغتسل وتنقض رأسها وتمتشط وتترك العمرة وتدعها وترفضها ولم تحل منها ، وتدخل على العمرة حجا ، وتعمل جميع أعمال الحج حاشى الطواف بالبيت ما لم تطهر .
وقال ، عليه الصلاة والسلام ، وهو
بسرف للناس : "من لم يكن منكم معه هدي وأحب أن يجعلها عمرة فليفعل ، ومن كان معه هدي فلا" . فمنهم من جعلها عمرة كما أبيح له ، ومنهم من تمادى على نية الحج ولم يجعلها عمرة ، وهذا فيمن لا هدي معه ، وأما من كان معه الهدي ، فلم يجعلها عمرة أصلا . وأمر ، عليه الصلاة والسلام ، في بعض طريقه ذلك من كان معه هدي أن يهل بالقران بالحج والعمرة معا ،
ثم نهض ، عليه الصلاة والسلام ، إلى أن نزل بذي طوى ، فبات بها ليلة الأحد لأربع خلون لذي الحجة ، فصلى الصبح بها ، ودخل مكة نهارا من أعلاها من كداء ، من الثنية العليا صبيحة يوم الأحد المذكور المؤرخ ، فاستلم الحجر الأسود ،
وطاف رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بالكعبه سبعا ، ورمل ثلاثا منها ، ومشى أربعا ، يستلم الحجر الأسود والركن اليماني في كل طوفة ، ولا يمس الركنين الآخرين اللذين في الحجر ، وقال بينهما : (
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) ثم
صلى عند مقام إبراهيم ، عليه السلام ، ركعتين ، يقرأ فيهما مع أم القرآن : (
قل يا أيها الكافرون ) ، و (
قل هو الله أحد ) جعل المقام بينه وبين
الكعبة ، وقرأ ، عليه الصلاة والسلام ،
[ ص: 361 ] إذا أتى المقام : (
واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) ثم رجع إلى
الحجر الأسود فاستلمه ، ثم خرج إلى
الصفا فقرأ : (
إن الصفا والمروة من شعائر الله ) أبدأ بما بدأ الله به ،
فطاف بين الصفا والمروة أيضا سبعا راكبا على بعيره ، يخب ثلاثا ، ويمشي أربعا ، إذا رقى الصفا استقبل القبلة ونظر إلى البيت ، ووحد الله تعالى وكبره ، وقال : "لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده" ، ثم يدعو ، ثم يفعل على
المروة مثل ذلك .
فلما أكمل ، عليه الصلاة والسلام ، الطواف والسعي ، أمر كل من لا هدي معه بالإحلال قارنا كان أو مفردا ، وأن يحلوا الحل كله من وطء النساء والطيب والمخيط ، وأن يبقوا كذلك إلى يوم التروية ، وهو يوم
منى ، فيهلوا حينئذ بالحج ، ويحرموا عند نهوضهم إلى
منى ، وأمر من معه الهدي بالبقاء على إحرامهم ، وقال لهم ، عليه الصلاة والسلام ، حينئذ إذ تردد بعضهم :
لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي حتى أشتريه ، ولجعلتها عمرة ، ولأحللت كما أحللتم ، ولكني سقت الهدي ، فلا أحل حتى أنحر الهدي" . وكان
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر ،
وعمر ،
وطلحة ،
والزبير وعلي ورجال من أهل الوفر ، ساقوا الهدي فلم يحلوا وبقوا محرمين كما بقي هو ، عليه الصلاة والسلام ، محرما ، لأنه كان ساق الهدي مع نفسه ، وكن أمهات المؤمنين لم يسقن هديا فأحللن ، وكن قارنات حجا وعمرة ، وكذلك
nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة ابنة النبي ، صلى الله عليه وسلم ،
nindex.php?page=showalam&ids=64وأسماء بنت أبي بكر الصديق ، أحلتا حاشى
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، رضي الله عنها ، من أجل حيضها لم تحل كما ذكرنا ، وشكا
علي nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة إلى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، إذ حلت ، فصدقها ، عليه الصلاة والسلام ، في أنه أمرها بذلك ، وحينئذ سأله
سراقة بن مالك بن جعشم الكناني ، فقال : يا رسول الله متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد ، ولنا أم للأبد ؟ فشبك ، عليه الصلاة والسلام ، أصابعه وقال : "لا ، بل لأبد الأبد ، دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة" .
وأمر ، عليه الصلاة والسلام ، من جاء إلى الحج على غير الطريق التي أتى ، عليه الصلاة والسلام ، عليها ممن أهل بإهلال كإهلاله ، بأن يبقوا على حالهم ، فمن ساق منهم الهدي لم يحل ، فكان علي من أهل هذه الصفة ، ومن كان منهم لم يسق الهدي أن يحل ، فكان
nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى الأشعري من أهل هذه الصفة .
[ ص: 362 ]
وأقام ، عليه الصلاة والسلام ،
بمكة محرما من أجل هديه يوم الأحد المذكور والاثنين والثلاثاء والأربعاء وليلة الخميس ، ثم نهض ، صلى الله عليه وسلم ، بكرة يوم الخميس ، وهو يوم
منى ، ويوم التروية مع الناس إلى
منى ، وفي ذلك الوقت أحرم بالحج من
الأبطح كل من كان أحل من أصحابه ، رضي الله عنهم ، فأحرموا في نهوضهم إلى
منى في اليوم المذكور ،
فصلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بمنى الظهر من يوم الخميس المذكور ، والعصر والمغرب والعشاء الآخرة ، وبات بها ليلة الجمعة ، وصلى بها الصبح من يوم الجمعة ، ثم نهض ، عليه الصلاة والسلام ، بعد طلوع الشمس من يوم الجمعة المذكور إلى
عرفة ، بعد أن أمر ، عليه الصلاة والسلام ، بأن تضرب له قبة من شعر
بنمرة ، فأتى ، عليه الصلاة والسلام ، عرفة ، ونزل في قبته التي ذكرنا ، حتى إذا زالت الشمس أمر بناقته القصواء فرحلت ، ثم أتى بطن الوادي ، فخطب على راحلته خطبة ، ذكر فيها ، عليه الصلاة والسلام ،
تحريم الدماء والأموال والأعراض ، ووضع فيها أمور الجاهلية ودماءها ، وأول ما وضع دم
nindex.php?page=showalam&ids=16482ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، كان مسترضعا في
بني سعد بن بكر فقتله
هذيل . وذكر النسابون أنه كان صغيرا يحبو أمام البيوت ، وكان اسمه :
آدم ، فأصابه حجر عائر أو سهم غرب من يد رجل من
بني هذيل فمات .
ثم نرجع إلى وصف عمله عليه الصلاة والسلام
ووضع أيضا ، عليه الصلاة والسلام ، في خطبته بعرفة ربا الجاهلية ، وأول ربا وضعه ربا عمه
العباس ، رضي الله عنه ،
وأوصى بالنساء خيرا ، وأباحهم ضربهن غير مبرح إن عصين بما لا يحل ، وقضى لهن بالرزق والكسوة بالمعروف على أزواجهن ،
وأمر بالاعتصام بعده بكتاب الله ، عز وجل ، وأخبر أنه لا يضل من اعتصم به ، وأشهد الله ، عز وجل ، على الناس أنه قد بلغهم ما يلزمه ، فاعترف الناس بذلك ، وأمر ، عليه الصلاة والسلام ، أن يبلغ ذلك الشاهد الغائب .
وبعثت إليه
أم الفضل بنت الحارث الهلالية - وهي أم
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس - لبنا في
[ ص: 363 ] قدح ، فشربه ، عليه الصلاة والسلام ، أمام الناس وهو على بعيره ، فعلموا أنه ، صلى الله عليه وسلم ، لم يكن صائما في يومه ذلك ، فلما أتم الخطبة المذكورة أمر
nindex.php?page=showalam&ids=115بلالا فأذن ، ثم أقام ، فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئا ، لكن صلاهما ، عليه الصلاة والسلام ، بالناس مجموعتين في وقت الظهر بأذان واحد لهما معا ، وبإقامتين ، لكل صلاة إقامة ، ثم ركب ، عليه الصلاة والسلام ، راحلته حتى أتى الموقف ، فاستقبل القبلة ، وجعل جبل المشاة بين يديه ، فلم يزل واقفا للدعاء .
وهنالك
سقط رجل من المسلمين عن راحلته وهو محرم في جملة الحجيج فمات ، فأمر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بأن يكفن في ثوبيه ، ولا يمس بطيب ، ولا يحنط ، ولا يغطى رأسه ولا وجهه . وأخبر ، عليه الصلاة والسلام ، أنه يبعث يوم القيامة ملبيا .
وسأله قوم من أهل
نجد هنالك عن الحج ، فأعلمهم ، عليه الصلاة والسلام ،
بوجوب الوقوف بعرفة ، ووقت الوقوف بها ، وأرسل إلى الناس أن يقفوا على مشاعرهم ، فلم يزل عليه الصلاة والسلام واقفا حتى غربت الشمس من يوم الجمعة المذكور وذهبت الصفرة ، أردف
nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد خلفه ، ودفع ، عليه الصلاة والسلام ، وقد ضم زمام القصواء ناقته ، حتى أن رأسها ليصيب طرف رحله ، ثم مضى يسير العنق ، فإذا وجد فجوة نص - وكلاهما ضرب من السير ، والنص آكدهما ، والفجوة : الفسحة من الناس - كلما أتى ربوة من تلك الروابي أرخى للناقة زمامها قليلا ، حتى يصعدها ، وهو ، عليه الصلاة والسلام ، يأمر الناس بالسكينة في السير ، فلما كان في الطريق عند الشعب الأيسر نزل ، عليه الصلاة والسلام ، فيه ، فبال وتوضأ وضوءا خفيفا ، وقال
لأسامة : "المصلى أمامك" - أو كلاما هذا معناه - ثم ركب حتى أتى
المزدلفة ليلة السبت العاشر من ذي الحجة ، فتوضأ ثم صلى بها المغرب والعشاء الآخرة دون خطبة ، لكن بأذان واحد لهما معا ، وبإقامتين ، لكل صلاة منهما إقامة ، ولم يصل بينهما شيئا ، ثم اضطجع ، عليه الصلاة والسلام ، بها حتى طلع الفجر ، فقام وصلى الفجر بالناس
بمزدلفة يوم السبت المذكور ، وهو يوم النحر ، وهو يوم الأضحى ، وهو يوم العيد ، وهو يوم الحج الأكبر ، مغلسا أول انصداع الفجر .
[ ص: 364 ]
وهناك سأله
عروة بن مضرس الطائي - وقد ذكر له عمله - أله حج ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : "إن من أدرك الصلاة - يعني صلاة الصبح -
بمزدلفة في ذلك اليوم مع الناس فقد أدرك الحج ، وإلا فلم يدركه .
واستأذنته
nindex.php?page=showalam&ids=93سودة nindex.php?page=showalam&ids=10583وأم حبيبة في أن يدفعا من
مزدلفة ليلا فأذن لهما ،
nindex.php?page=showalam&ids=54ولأم سلمة في ذلك ، وهن أمهات المؤمنين ، رضي الله عنهن .
وأذن أيضا ، عليه الصلاة والسلام ، للنساء والضعفاء في ذلك بعد وقوف جميعهم
بمزدلفة ، وذكرهم الله تعالى بها ، إلا
أنه ، عليه الصلاة والسلام ، أذن للنساء في الرمي بليل ، ولم يأذن للرجال في ذلك ، لا لضعفائهم ولا لغير ضعفائهم ، وكان ذلك اليوم يوم كونه ، عليه الصلاة والسلام ، عند
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة .
فلما صلى ، عليه الصلاة والسلام ، الصبح كما ذكرنا
بمزدلفة ، أتى المشعر الحرام بها ، فاستقبل القبلة ، فدعا الله ، عز وجل ، وكبر وهلل ووحد ، ولم يزل واقفا بها حتى أسفر جدا ، وقبل أن تطلع الشمس ، فدفع ، عليه الصلاة والسلام ، حينئذ من
مزدلفة ، وقد أردف
nindex.php?page=showalam&ids=69الفضل بن عباس ، وانطلق
أسامة على رجليه في سباق
قريش ، وهنالك
سألت الخثعمية النبي ، عليه الصلاة والسلام ، الحج عن أبيها الذي لا يطيق الحج ، فأمرها أن تحج عنه ، وجعل ، صلى الله عليه وسلم ، يصرف بيده وجه
nindex.php?page=showalam&ids=69الفضل بن عباس عن النظر إليها وإلى النساء ، وكان
الفضل أبيض وسيما . وسأله أيضا ، عليه الصلاة والسلام ، رجل عن مثل ما سألت عنه الخثعمية ، فأمره ، عليه الصلاة والسلام بذلك .
ونهض ، عليه الصلاة والسلام ، يريد
منى ، فلما أتى
بطن محسر حرك ناقته قليلا ، وسلك ، عليه الصلاة والسلام ، الطريق الوسطى التي تخرج على
الجمرة الكبرى ، حتى أتى
منى ، فأتى الجمرة التي عند الشجرة ، وهي جمرة العقبة ، فرماها ، عليه الصلاة والسلام ، من أسفلها بعد طلوع الشمس من اليوم المؤرخ بحصى التقطها له
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس من موقفه الذي رمى فيه مثل حصى الخذف ، وأمر بمثلها ، ونهى عن أكبر منها ، وعن الغلو في الدين ، فرماها ، عليه الصلاة والسلام ، وهو على راحلته بسبع حصيات كما ذكرنا ، يكبر مع كل حصاة منها ، وحينئذ قطع ، عليه الصلاة والسلام ، التلبية ،
ولم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة التي ذكرناها .
[ ص: 365 ]
ورماها ، عليه الصلاة والسلام ، راكبا ، و
nindex.php?page=showalam&ids=115بلال ،
وأسامة أحدهما يمسك بخطام ناقته ، عليه الصلاة والسلام ، والآخر يظله بثوبه من الحر .
وخطب ، عليه الصلاة والسلام ، الناس في اليوم المذكور - وهو يوم النحر بمنى - خطبة كرر فيها أيضا تحريم الدماء والأموال والأعراض والأبشار ، وأعلمهم ، عليه الصلاة والسلام ، فيها بتحريم يوم النحر ، وحرمة
مكة على جميع البلاد ، وأمر بالسمع والطاعة لمن قاد بكتاب الله ، عز وجل ، وأمر الناس بأخذ مناسكهم ، فلعله لا يحج بعد عامه ذلك ، وعلمهم مناسكهم ، وأنزل
المهاجرين والأنصار والناس منازلهم ، وأمر أن لا يرجعوا بعده كفارا ، ولا يرجعوا بعده ضلالا ، يضرب بعضهم رقاب بعض ، وأمر بالتبليغ عنه ، وأخبر بأن
رب مبلغ أوعى من سامع .
ثم انصرف رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إلى المنحر
بمنى ، فنحر ثلاثا وستين بدنة ، ثم أمر
عليا فنحر ما بقي منها ، مما كان
علي أتى به من
اليمن، مع ما كان ، عليه الصلاة والسلام ، أتى به من
المدينة ، وكانت تمام المائة .
ثم
حلق ، عليه الصلاة والسلام ، رأسه المقدس ، وقسم شعره ، فأعطى من نصفه الشعرة والشعرتين ، وأعطى نصفه الثاني كله أبا طلحة الأنصاري ، وضحى عن نسائه بالبقر ، وأهدى عمن كان اعتمر منهن بقرة ،
وضحى هو ، عليه الصلاة والسلام ، في ذلك اليوم بكبشين أملحين ، وحلق بعض الصحابة ، وقصر بعضهم ، فدعا ، عليه الصلاة والسلام ، للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة .
وأمر ، عليه الصلاة والسلام ، أن يؤخذ من البدن التي ذكرنا ، من كل بدنة بضعة ، فجعلت في قدر وطبخت ، فأكل هو ، عليه الصلاة والسلام ، وعلي من لحمها ، وشربا من مرقها ، وكان ، عليه الصلاة والسلام ، قد أشرك عليا بقسمة لحومها كلها وجلودها وجلالها ، وأن لا يعطى الجازر شيئا منها على جزارتها ، وأعطى ، عليه الصلاة والسلام ، الأجرة على ذلك من نفسه .
وأخبر الناس أن
عرفة كلها موقف حاشى بطن عرنة ، وأن
[ ص: 366 ] مزدلفة كلها موقف ، حاشى
بطن محسر ، وأن
منى كلها منحر ، وأن فجاج
مكة كلها منحر .
ثم تطيب ، عليه الصلاة والسلام ، قبل أن يطوف طواف الإفاضة ، ولإحلاله قبل أن يحل في يوم النحر ، وهو يوم السبت المذكور ، طيبته
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، رضي الله عنها ، أيضا بطيب فيه مسك ، ثم نهض ، عليه الصلاة والسلام ، راكبا إلى
مكة في يوم السبت نفسه ، فطاف في يومه ذلك طواف الإفاضة ، وهو طواف الصدر قبل الظهر ، وشرب من ماء زمزم بالدلو ، ومن نبيذ السقاية .
ثم رجع من يومه ذلك إلى
منى ، فصلى الظهر . هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، وقالت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة وجابر : بل صلى الظهر ذلك اليوم
بمكة، وهذا هو الفعل الذي أشكل علينا الفصل فيه ، لصحة الطرق في ذلك ، ولا شك أن أحد الخبرين وهم ، والثاني صحيح ، ولا ندري أيهما هو .
وطافت
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة في ذلك اليوم على بعيرها من وراء الناس ، فاستأذنت النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في ذلك فأذن لها ، وطافت أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ذلك اليوم ، وفيه طهرت ، وكانت ، رضي الله عنها ، حائضا يوم
عرفة ، وطافت أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=199صفية في ذلك اليوم ، ثم حاضت بعد ذلك ليلة النفر .
ثم رجع ، عليه الصلاة والسلام ، إلى
منى ، وسئل ، عليه الصلاة والسلام ، حينئذ عن ما تقدم بعضه على بعض ، من الرمي والحلق والنحر والإفاضة ، فقال في كل ذلك : "لا حرج" . وكذلك قال أيضا في تقديم السعي بين الصفا والمروة قبل الطواف بالكعبة .
وأخبر ، عليه الصلاة والسلام ، بأن الله ، تعالى ، أنزل لكل داء دواء إلا الهرم ، وعظم إثم من اقترض عرض امرئ مسلم ظلما . فأقام هنالك باقي يوم السبت ، وليلة الأحد ، ويوم الأحد ، وليلة الاثنين ، ويوم الاثنين ، وليلة الثلاثاء ، ويوم الثلاثاء - وهذه أيام
منى ، وهذه هي أيام
[ ص: 367 ] التشريق - يرمي الجمار الثلاث كل يوم من هذه الأيام الثلاثة ، بعد الزوال ، بسبع حصيات ، كل يوم لكل جمرة ، يبدأ بالدنيا - وهي التي تلي
مسجد منى - ويقف عندها للدعاء طويلا ، ثم التي تليها - وهي الوسطى - ويقف أيضا عندها للدعاء كذلك ، ثم جمرة العقبة ولا يقف عندها . ويكبر ، عليه الصلاة والسلام ، مع كل حصاة .
وخطب الناس أيضا ، يوم الأحد ، ثاني يوم النحر ، وهو يوم الرؤوس .
وقد روي أيضا أنه ، عليه الصلاة والسلام ، خطبهم أيضا يوم الاثنين ، وهو يوم الأكارع . وأوصى بذي الأرحام خيرا . وأخبر ، عليه الصلاة والسلام ، أنه
لا تجني نفس على أخرى .
واستأذنه
العباس عمه في المبيت
بمكة من أجل سقايته ، فأذن له ، عليه الصلاة والسلام ، وأذن للرعاء أيضا في مثل ذلك .
ثم نهض ، عليه الصلاة والسلام ، بعد زوال الشمس من يوم الثلاثاء المؤرخ ، وهو آخر أيام التشريق ، وهو الثالث عشر من ذي الحجة ، وهو يوم النفر إلى
المحصب - وهو الأبطح - فضربت بها قبته ، ضربها
nindex.php?page=showalam&ids=12003أبو رافع مولاه ، وكان على ثقله ، عليه الصلاة والسلام ، وقد كان ، عليه الصلاة والسلام ، قال
لأسامة بن زيد : إنه ينزل غدا
بالمحصب خيف بني كنانة ، وهو المكان الذي ضرب فيه
nindex.php?page=showalam&ids=12003أبو رافع قبته وفاقا من الله ، عز وجل ، دون أن يأمره ، عليه الصلاة والسلام ، بذلك .
وحاضت
nindex.php?page=showalam&ids=199صفية أم المؤمنين ليلة النفر بعد أن أفاضت ، فأخبر بذلك النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فسأل : "أفاضت يوم النحر ؟" ، فقيل له : نعم ، فأمرها أن تنفر ، وحكم فيمن كانت له حالة كحالها أيضا بذلك .
وصلى ، عليه الصلاة والسلام ،
بالمحصب الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة من ليلة الأربعاء ، الرابع عشر من ذي الحجة ، وبات بها ليلة الأربعاء المذكورة ، ورقد رقدة .
ولما كان يوم النحر ويوم النفر رغبت إليه
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة بعد أن طهرت أن يعمرها عمرة مفردة ، فأخبرها ، عليه الصلاة والسلام ، أنها قد حلت من حجها وعمرتها ، وأن طوافها يكفيها ويجزئها
[ ص: 368 ] لحجها وعمرتها ، فأبت إلا أن تعتمر عمرة مفردة ، فقال لها : "ألم تكوني طفت ليالي قدمت ؟" قالت : لا ، فأمر
عبد الرحمن بن أبي بكر أخاها بأن يردفها ويعمرها من
التنعيم ، ففعلا ذلك ، وانتظرها ، عليه الصلاة والسلام ، بأعلى
مكة حتى انصرفت من عمرتها تلك ، وقال لها : "هذه مكان عمرتك" .
وأمر الناس أن لا ينصرفوا حتى يكون آخر عهدهم الطواف بالبيت ، ورخص في ترك ذلك . للحائض التي قد طافت طواف الإفاضة قبل حيضها .
ثم إنه ، عليه الصلاة والسلام ، دخل
مكة في الليل من ليلة الأربعاء المذكورة ، فطاف بالبيت طواف الوداع ، لم يرمل في شيء منه سحرا قبل صلاة الصبح من يوم الأربعاء المذكور ، ثم خرج من
كدي أسفل
مكة، من الثنية السفلى ، والتقى
nindex.php?page=showalam&ids=25بعائشة ، رضي الله عنها ، وهو ناهض إلى الطواف المذكور ، وهي راجعة من تلك العمرة التي ذكرنا ، ثم رجع ، عليه الصلاة والسلام ، وأمر بالرحيل ، ومضى ، عليه الصلاة والسلام ، من فوره راجعا إلى
المدينة ، وخرج من
مكة من الثنية السفلى ، فكانت مدة إقامته ، عليه الصلاة والسلام ،
بمكة منذ دخلها إلى أن خرج منها إلى
منى ، إلى
عرفة ، إلى
مزدلفة ، إلى
منى ، إلى
المحصب ، إلى أن وجه راجعا ، عشرة أيام . فلما أتى
ذا الحليفة بات بها ، فلما رأى
المدينة كبر ثلاث مرات وقال : "لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، آيبون تائبون عابدون ساجدون ، لربنا حامدون ، صدق الله وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده" . ثم دخل ، عليه الصلاة والسلام ،
المدينة نهارا من طريق
المعرس ، والحمد لله وحده .